كنت جالسا في مسجد مالك بن أنس ، حتى إذا استأذن عليه سفيان بن عينية قال مالك : رجل صالح وصاحب سنة ، أدخلوه. فلما دخل ، سلّم ثم قال : السلام خاص وعام ، السلام عليك أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته. فقال له مالك : وعليك السلام أبا محمد ورحمة الله وبركاته ، وقام إليه وصافحه وقال : لو لا أنه بدعة لعانقتك. قال سفيان : قد عانق من هو خير مني من هو خير مني ومنك. فقال له مالك : النبي صلىاللهعليهوسلم جعفرا؟ قال له سفيان : نعم ، فقال مالك : ذاك حديث خاص ليس بعام. فقال له : ما عم جعفرا يعمّنا ، وما خصّه يخصّنا ، إذا كنا صالحين ، ثم قال له سفيان : يا أبا عبد الله أتأذن لي أن أحدث في مجلسك؟ فقال له مالك : نعم ، فقال سفيان : اكتبوا : حدثنا عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس أن جعفر بن أبي طالب لما قدم من أرض الحبشة ، تلقاه النبي صلىاللهعليهوسلم واعتنقه ، وقبّل ما بين عينيه وقال : «مرحبا بأشبههم بي خلقا وخلقا» [١٤١٢٦].
وعن جابر قال :
لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة ، تلقاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حجل (١) ـ مشى على رجل واحدة ـ إعظاما منه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقبّل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين عينيه وقال له : «يا حبيبي ، أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي ، وخلقت من الطينة التي خلقت منها. حدثني ببعض عجائب أرض الحبشة» قال : نعم ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، بينا أنا سائر في بعض طرقاتها إذا بعجوز على رأسها مكتل (٢) ، فأقبل شاب يركض على فرس له ، فرجمها فألقاها لوجهها ، وألقى المكتل عن رأسها ، فاسترجعت قائمة ، وأتبعته النظر وهي تقول : الويل لك غدا إذا جلس الملك على كرسيّه فاقتصّ للمظلوم من الظالم. قال جابر : فنظرت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإن دموعه على لحيته مثل الجمان (٣) ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا قدّس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غير متعتع (٤)» [١٤١٢٧].
وكان قدوم جعفر من الحبشة سنة سبع.
__________________
(١) حجل المقيّد يحجل حجلا وحجلانا رفع رجله وتريّث في مشيه على رجله (تاج العروس : حجل).
(٢) مكتل : كمنبر ، زنبيل يحمل فيه التمر أو العنب إلى الجرين ، قيل إنه يسع خمسة عشر صاعا. والجمع المكاتل.
(تاج العروس : كتل).
(٣) الجمان : اللؤلؤ نفسه ، الواحدة جمانة (تاج العروس : جمن).
(٤) متعتع بفتح التاء : أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه (النهاية).