الملك ، وأحمد بن خالد المعروف بابن (١) أبي الوزير ، وعمر بن فرج ، فعزم أكثرهم على تولية محمد بن الواثق ، فأحضروه وهو غلام أمرد ، فقال أحمد بن أبي دؤاد : أما تتقون الله! كيف تولّون مثل هذا الخلافة؟ فأرسلوا بغا الشرابي إلى جعفر بن المعتصم فأحضروه ، فقام ابن أبي دؤاد فألبسه الطويلة ودراعة ، وعممه بيده على الطويلة ، وقبّل بين عينيه وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، ثم غسّل الواثق ، وصلّى عليه المتوكل ودفن.
وكان المتوكل رأى في النوم كأن سكرا سليما نيئا (٢) سقط عليه من السماء ، مكتوبا عليه : جعفر المتوكل على الله. فلما صلى على الواثق قال محمد بن عبد الملك : نسميه المنتصر ، وخاض الناس في ذلك ، فحدث المتوكل أحمد بن أبي دؤاد بما رآه في منامه ، فوجده موافقا ، فأمضى ، وكتب بذلك للآفاق.
ولد المتوكل سنة سبع ومائتين ، وقيل خمس ، وبويع بسرّ من رأى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وكان أسمر ، حسن العينين ، نحيف الجسم ، خفيف العارضين ، إلى القصر أقرب ، كنيته أبو الفضل (٣) ، وأمه أم ولد يقال لها شجاع ، من سروات النساء سخاء وكرما (٤) ، ولما بويع أظهر السنة وبسطها ونصر أصحاب السنة (٥).
ودخل دمشق في صفر سنة أربع وأربعين ومائتين ، وكان من لدن شخص من سامراء إلى أن دخلها سبعة وسبعون يوما ، وعزم على المقام بها ونقل دواوين الملك إليها ، وأمر بالبناء بها ، فتحرك الأتراك في أرزاقهم وأرزاق عيالاتهم ، فأمر لهم بما أرضاهم ، ثم استوبأ (٦) البلد وذلك أن الهواء بها بارد ندي ، والماء ثقيل (٧) ، والريح تهب فيها مع العصر ، فلا تزال تشتد حتى تمضي عامة الليل ، وهي كثيرة البراغيث ، وغلت عليه الأسعار ، وحال الثلج بين السابلة والميرة (٨). وسيّر المتوكل بغا لغزو الروم ، وغزا الصائفة. وأقام المتوكل بدمشق شهرين وأياما (٩) ، ثم رجع إلى سر من رأى.
__________________
(١) في تاريخ بغداد : المعروف بأبي الوزير.
(٢) في تاريخ بغداد : سليمانيا ، مكان «سليما نيئا».
(٣) تاريخ بغداد ٧ / ١٧٢.
(٤) تاريخ بغداد ٧ / ١٦٦.
(٥) تاريخ الخلفاء ص ٤٠٦ وسير الأعلام ١٢ / ٣١.
(٦) في البداية والنهاية ٧ / ٣٦١ ثم إنه استوخمها.
(٧) زيد في البداية والنهاية : بالنسبة إلى هواء العراق ومائه.
(٨) في البداية والنهاية : وانقطعت الأجلاب بسبب كثرة الأمطار والثلوج.
(٩) في البداية والنهاية : وعشرة أيام.