وكان السبب الذي عزم به المتوكل على الشخوص إلى دمشق أن خرج إلى الموضع المعروف بالمحمدية بسامراء في بعض نزهه التي كان يخرج فيها ، وذكروا بحضرته البلدان وهواء كل بلد وطيبه ، وما فيه مما يفضل به على غيره ، وذكر إسرائيل بن زكريا المتطبب المعروف بالطيفوري دمشق ، واعتدال الهواء بها وطيبها في الصيف ، وقلة حرّها وبرد مياهها ، وكثرة البساتين والأشجار بها ، وأنها من البلدان التي يصلح لأمير المؤمنين سكناها وتلائم بدنه ، وتنحلّ عنه فيها العلل التي لا تزال تعرض له في العراق عند حلول الصيف ، ووافق ذلك مجيء كتاب عامل سميساط (١) بمصير الروم إلى القرى التي بالقرب من المدينة وإخرابهم إياها ، فأمر المتوكل بالأهبة للسفر.
ولما نزل دمشق بنى بأرض داريا قصرا (٢) عظيما ، ووقعت من قلبه بالموافقة ، فخرج يوما يتصيد فأجمع قوم من جنده على الفتك به ، واتصل ذلك به فرحل إلى سامراء ، وقتل بها.
قال علي بن الجهم السّامي (٣) :
وجه إلي المتوكل فأتيته ، فقال لي : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم الساعة في المنام ، فقمت إليه فقال لي : تقوم إلي وأنت خليفة؟ فقلت له : أبشر يا أمير المؤمنين ، أما قيامك إليه فقيامك بالسّنة ، وقد عدّك من الخلفاء. قال : فسرّ بذلك (٤).
كان إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة يقول (٥) :
الخلفاء ثلاثة : أبو بكر الصديق ، قاتل أهل الردة حتى استجابوا له ، وعمر بن عبد العزيز ردّ مظالم بني أمية ، والمتوكل (٦) محا البدع ، وأظهر السّنة.
قال محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب :
__________________
(١) سميساط : مدينة على الشاطئ في طرف بلاد الروم ، ولها قلعة.
(٢) سير الأعلام ١٢ / ٣١ نقلا عن خليفة بن خياط ، وزيد فيها : مما يلي المزة.
(٣) هذه النسبة إلى سامة بن لؤي ، انظر الأنساب ، وجمهرة ابن حزم ص ١٣.
(٤) الخبر في تاريخ بغداد ٧ / ١٧٠.
(٥) الخبر رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤٠٦ وانظر البداية والنهاية ٧ / ٣٦٧.
(٦) في تاريخ الخلفاء : والمتوكل في إحياء السنة وإماتة التجهم. وسير الأعلام ١٢ / ٣٢ وفوات الوفيات ١ / ٢٩٠.