جعلت دعائي في المشاهد كلها للمتوكل ، وذلك أن عمر بن عبد العزيز جاء الله به يرد المظالم ، وجاء الله بالمتوكل يردّ الدّين.
قال هشام بن عمار (١) :
سمعت المتوكل يقول : وا حسرتي (٢) على محمد بن إدريس الشافعي رحمهالله كنت أحب أن أكون في أيامه فأراه ، وأشاهده ، وأتعلم منه ، فإني رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام ثلاث ليال متواليات وهو يقول : يا أيها الناس ، إن محمد بن إدريس المطلبي قد صار إلى رحمة الله ، وخلّف فيكم علما حسنا فاتبعوه تهتدوا (٣) ، فإن كلام المطلبي سنتي ، يا أيها الناس ، من ترحم على محمد بن إدريس الشافعي غفر الله تعالى له ما أسرّ وما أعلن. ثم قال المتوكل : اللهم صلّ على محمد وعلى آله وأصحابه ، وارحم محمد بن إدريس رحمة واسعة ، وسهّل عليّ حفظ مذهبه ، وانفعني بذلك (٤).
حكى علي بن الجهم عن المتوكل ، كلاما ، وقد بلغه أن رجلا أنكر على رجل ينتمي إلى التشيع وقال قولا أغرق فيه من مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فغضب المتوكل وقال : الناسب هذا المادح إلى الغلو جاهل ، وهو إلى التقصير أقرب ، وهل أحد بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أئمة الإسلام أحقّ بكل ثناء حسن من علي!
وجّه (٥) المتوكل إلى أحمد بن المعذّل وغيره من العلماء فجمعهم في داره ، ثم خرج عليهم فقام الناس كلهم له غير أحمد بن المعذّل فقال المتوكل لعبيد الله (٦) : إنّ هذا لا يرى بيعتنا (٧). فقال له : بلى ، يا أمير المؤمنين ، ولكن في بصره سوء. فقال أحمد بن المعذّل : يا
__________________
(١) رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤١٢ نقلا عن ابن عساكر.
(٢) في تاريخ الخلفاء : وا حسرتا.
(٣) تاريخ الخلفاء : تهدوا.
(٤) عقب السيوطي على الخبر بقوله : استفدنا من هذا أن المتوكل كان متمذهبا بمذهب الشافعي ، وهو أول من تمذهب من الخلفاء.
(٥) الخبر رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤١٢ ـ ٤١٣ نقلا عن ابن عساكر قال : وأخرج عن أحمد بن علي البصري قال ، وذكره ، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٣٦٦ من طريق أحمد بن مروان المالكي حدثنا أحمد ابن علي البصري.
(٦) يعني عبيد الله بن يحيى بن خاقان.
(٧) في أصل مختصر ابن منظور : منعتنا والمثبت عن تاريخ الخلفاء.