كان (١) جعفر بن يحيى أمر أن تضرب له دنانير ، في كل دينار ثلاث مائة مثقال (٢) ، وتصور عليها صورة وجهه ، فضربت ، وبلغ أبا العتاهية فأخذ طبقا فوضع عليه بعض الألطاف ووجّهه إلى جعفر ، وكتب إليه رقعة في آخرها (٣) :
وأصفر من ضرب دار الملوك |
|
يلوح على وجهه جعفر |
ثلاث مئين يكن وزنه |
|
متى يلقه معسر ييسر |
فأمر بقبض ما على الطبق ، وصيّر عليه دينارا من تلك الدنانير وردّه إليه.
قال الأصمعي :
كان رجل له انقطاع إلى جعفر بن يحيى ، فعتب على جعفر لجفوة إليه منه ، فلزم منزله زمانا لا يأتيه ، فمرّ به يوما على ظهر الطريق ، فوقف عليه واستبطأه في تأخّره عنه ، فعرّفه سبب غيبته وقال له : أيها الوزير ، لو أتيناك لما كان عجبا ، لعلم الناس بحاجتنا إليك ، ولو أتيتنا لكان تفضلا ، لعلم الناس بغناك عنا. فاعتذر جعفر ، وجعل على نفسه أن لا يغيب عنه أحد من أصحابه أو يتخلف عنه بسبب إلا أتاه. وأقام رجلا يتعرف أخبار المتخلفين عنه ، ويعرفه السبب في ذلك ، وأجرى عليه الرزق لهذا الباب فقط.
حدث (٤) جعفر بن يحيى أباه يحيى بن خالد ، في بعض ما كان يخبره به من خلواته مع الرشيد ، قال له : بأنه أخذ أمير المؤمنين بيدي ، ثم أقبل في حجر يخترقها ، حتى انتهى إلى حجرة مغلقة ففتحت له ، ثم رجع من كان معنا من الخدم ، ثم صرنا إلى حجرة مغلقة ففتحها بيده ، ودخلنا معا وأغلقها من داخلها بيده ، ثم صرنا إلى رواق ففتحه وفي صدره مجلس مغلق ، فقعد على باب المجلس ونقر الباب نقرات ، فسمعت (٥) حسّا ، ثم أعاد النّقر فسمعت صوت عود ، ثم أعاد النّقر الثالثة فغنت جارية ، ما ظننت والله أن الله خلق مثلها في حسن
__________________
(١) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٧ / ١٥٦.
(٢) المثقال ما يوزن به وهو الثقل ، قاله الراغب ، قال الكرماني وهو عبارة عن اثنتين وسبعين شعيرة ، وقيل : المثقال عشرون قيراطا (تاج العروس : ثقل).
(٣) ليس البيتان في ديوانه.
(٤) الخبر رواه أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني ١٠ / ١٧٨ ـ ١٧٩ من طريق عبد الله بن الربيع الربيعي قال : حدثني أحمد بن إسماعيل عن محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد ، وذكره عن أبيه جعفر.
(٥) الأغاني : فسمعنا حسّا.