اشترطت نظرة ، فاحمل المال ومر بنا ، فحملنا المال على حمالين ، وجاء جعفر مستخفيا ، فدخلنا على الرجل وأخرجها. فلما رآها جعفر أعجب بها ، وعرف أن قد صدقته. ثم غنّته فازداد بها عجبا ، فقال لي : اقطع أمرها ، فقلت لمولاها : هذا المال قد نقدناه ووزناه ، فإن قنعت وإلّا فوجّه إلى من شئت لينتقده (١) ، قال : لا بل أقنع بما قلتم ، قال : فقالت الجارية : يا مولاي في أي شيء أنت! فقال : قد عرفت ما كنا فيه من النعمة ، وما كنت فيه من انبساط اليد ، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان علينا ، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك فتنبسطي في شهواتك ولذاذتك (٢) ، فقالت الجارية : والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكت مني ما بعتك بالدنيا وما فيها. وبعد ، فاذكر العهد ـ وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمنا ـ قال فتغرغرت عين المولى وقال : اشهدوا أنها حرة لوجه الله ، وأني قد تزوجتها وأمهرتها داري ، فقال جعفر : انهض بنا ، قال : فدعوت الحمالين ليحملوا المال ، فقال جعفر : لا والله لا يصحبنا منه درهم ، ثم أقبل على مولاها وقال : هو لك مبارك لك فيه أنفقه عليك وعليها. قال : وقمنا فخرجنا.
قال الأصمعي :
كنت عند جعفر بن يحيى ودخل عليه رجل فقال : أعذني أيها الأمير. قال : هو ذاك ، صاحب شرطتي على الباب. فقال : أعذني أيها الأمير. قال : ويحك ، ما أعذتك! قال : على الفقر. قال : نعم ، يا غلام ، أعطه ألف دينار.
ولما (٣) غضب على البرامكة وجد في خزانة لجعفر بن يحيى في جرة ألف دينار ، في كل دينار مائة دينار ، على جانبيها مكتوب :
وأصفر من ضرب دار الملوك |
|
يلوح على وجهه جعفر |
يزيد على مائة واحدا |
|
متى تعطه معسرا يوسر |
__________________
(١) تاريخ بغداد : لينقد.
(٢) تاريخ بغداد : وإرادتك.
(٣) الخبر والبيتان في تاريخ بغداد ٧ / ١٥٥ ـ ١٥٦ من طريق سلامة بن الحسين المقرئ أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا إبراهيم بن حماد حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال : حدثني محمد بن أحمد بن المبارك العبدي حدثني عبد الله بن علي ـ أبو محمد ـ قال ، وذكره. والبداية والنهاية ٧ / ١٨٩ وسير الأعلام ٩ / ٦٣.