وما لا بدّ أن يأتي قريب |
|
ولكنّ الذي يمضي بعيد |
كان (١) سبب هجائه للزبرقان أنه صادفه بالمدينة وكان قدمها على عمر ، فقال الحطيئة : وددت أنّي أصبت رجلا يحملني وأصفيه مديحي وأقتصر عليه. قال الزبرقان : قد أصبته ، تقدم على أهلي فإنّي على إثرك. فتقدم فنزل بحماه (٢) ، وأرسل الزبرقان إلى امرأته أن أكرمي مثواه. وكانت ابنته مليكة جميلة ، فكرهت امرأته مكانها فظهرت منها لهم جفوة ـ وبغيض بن عامر بن لأي بن شماس (٣) أحد بني قريع بن عوف ، ينازع يومئذ الزبرقان الشرف ، والزبرقان أحد بني بهدلة بن عوف [وبغيض](٤) أرسخ في الشرف من الزبرقان ، وقد ناوأه الزبرقان ببدنه (٥) حتى ساواه بل اعتلاه ـ فاغتنم بغيض (٦) وأخواه علقمة وهوذة ما فيه الحطيئة من الجفوة ، فدعوه إلى ما عندهم فأسرع ، فبنوا عليه قبة ونحروا له وأكرموه كل الإكرام وشدوا بكل طنب من أطناب خبائه جلّة (٧) من برنيّ (٨) هجر (٩). قال : والمخبّل شاعر مفلق وهو ابن عمهم يلقاهم إلى أنف الناقة ، وهو جعفر بن قريع. قال : وقدم الزبرقان أسيفا عاتبا على امرأته مدح [الحطيئة] بني قريع وذمّ الزبرقان ، فاستعدى عليه الزبرقان إلى عمر فأقدمه عمر وقال للزبرقان : ما قال لك؟ قال : قال لي (١٠) :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسي |
قال عمر لحسان : ما تقول؟ أهجاه؟ وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان ، ولكنه أراد الحجة على الحطيئة ، فقال : ذرق (١١) عليه. فألقاه عمر في حفرة اتخذها محبسا فقال الحطيئة :
__________________
(١) الخبر رواه الجمحي في طبقات الشعراء ص ٥٠ ـ ٥١ وانظر الأغاني ٢ / ١٧٩ وما بعدها. والشعر والشعراء ١ / ٣٢٧ والإصابة ١ / ١٨٠ في ترجمة بغيض بن عامر بن لؤي.
(٢) في طبقات الشعراء : بحراه.
(٣) في الأغاني : بن شماس بن لأي.
(٤) زيادة لازمة للإيضاح عن طبقات الشعراء.
(٥) البدن : نسب الرجل وحسبه.
(٦) انظر ترجمة بغيض في الإصابة ١ / ١٨٠.
(٧) الجلة : وعاء يتخذ من الخوص يوضع فيه التمر. (اللسان) وفي طبقات الشعراء : حلة.
(٨) في طبقات الشعراء : بزّ.
(٩) هجر : بفتح الهاء والجيم ، مدينة كانت بالبحرين مشهورة بثيابها وبزها وفي الأغاني : جلة هجرية.
(١٠) البيت في طبقات الشعراء للجمحي ص ٥١ والأغاني ٢ / ١٨٥ والشعر والشعراء ١ / ٣٢٨ وديوان الحطيئة ص ١٠٨.
(١١) ذرق عليه : يقال ذرق الطائر هو ما يلقيه من بطنه ، وفي الأغاني سلح عليه.