وعن سعيد بن جبير قال (١) : كان أناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم ـ قال : وكان يسأله ـ فقال عمر : أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله ، فسألهم عن هذه السورة : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) [سورة النصر ، الآيتان : ١ و ٢] قال بعضهم : أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجا أن يحمدوه ويستغفروه. قال : فقال عمر : يا ابن عباس ، ألا تكلّم قال : فقال : أعلمه متى يموت (٢). قال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) ـ وفي رواية : والفتح : فتح مكة ـ (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) فهي آيتك من الموت (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [سورة النصر ، الآية : ٣] قال : ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها. فقال بعضهم : كنا نرى أنها في العشر الأوسط ، ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر ، قال : فأكثروا فيها ، فقال بعضهم : ليلة إحدى وعشرين ، وقال بعضهم : ثلاث وعشرين ، وقال بعضهم : سبع وعشرين ، فقال بعضهم لابن عباس : ألا تكلّم! قال : الله أعلم. قال : قد نعلم أن الله أعلم ، إنما نسألك عن علمك فقال ابن عباس : الله وتر يحب الوتر ، خلق من خلقه سبع سماوات فاستوى عليهن ، وخلق الأرض سبعا ، وخلق عدة الأيام سبعا ، وجعل طوافا بالبيت سبعا ، ورمي الجمار سبعا ، وبين الصفا والمروة سبعا ، وخلق الإنسان من سبع ، وجعل رزقه من سبع. قال : فقال عمر : وكيف خلق الإنسان من سبع ، وجعل رزقه من سبع فقد فهمت من هذا أمرا ما فهمته؟ قال ابن عباس : إن الله يقول : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) حتى بلغ إلى قوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون ، الآيات : ١٢ ـ ١٤] قال : ثم قرأ : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا) [سورة عبس ، الآيات : ٢٥ ـ ٣١] وأما السبعة فلبني آدم ، وأما الأبّ فما أنبتت الأرض للأنعام ، وأما ليلة القدر فما نراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاث وعشرين يمضين وسبع
__________________
(١) رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٤ / ٤٦ ـ ٤٧ وفيه حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون المروزي وعمرو بن محمد قالا : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير ، وذكره. وأخرجه البخاري في المناقب و ٨ / ٩٩ في المغازي ، وفي التفسير ومختصرا في سير الأعلام ٣ / ٣٤٣ وحلية الأولياء ١ / ٣١٧ ومسند أحمد ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ (الميمنية).
(٢) في أنساب الأشراف : أعلمه أنه ميت.