وقال الضحاك (١) : ما رأيت بيتا أكثر خبزا ولحما وعلما من بيت ابن عباس.
قال أبو صالح (٢) : لقد رأيت في ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخرا. لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق ، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا أن يذهب. قال : فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه ، فقال : ضع لي وضوءا قال : فتوضأ وجلس وقال : اخرج فقل لهم : من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه ، وما أراد منه فليدخل. قال : فخرجت ، فأذنتهم ، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه (٣) وزادهم مثلما سألوا عنه أو أكثر ، ثم قال : إخوانكم. قال : فخرجوا ، ثم قال : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن أو تأويله (٤) فليدخل. قال : فخرجت فأذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثلما سألوا عنه أو أكثر ، ثم قال : إخوانكم. قال : فخرجوا ، ثم قال : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل ، فخرجت فقلت لهم. قال : فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثله ، ثم قال : إخوانكم ، قال : فخرجوا ، ثم قال : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل. قال : فخرجت فأذنتهم ، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم [به](٥) ، وزادهم مثله ، ثم قال : إخوانكم. قال : فخرجوا ، ثم قال : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل. قال : فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثله.
قال أبو صالح : ولو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان فخرا. فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس.
قال جابر بن زيد (٦) : سألت البحر ـ وكان يسمى ابن عباس البحر ـ عن لحوم الحمر ،
__________________
(١) رواه الذهبي في سير الأعلام النبلاء ٣ / ٣٥١.
(٢) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١ / ٣٢٠ ـ ٣٢١ وفيها : حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي ثنا يونس بن بكير ثنا أبو حمزة الثمالي عن أبي صالح ، وذكره.
(٣) في الحلية : به.
(٤) في الحلية : تفسير القرآن وتأويله.
(٥) زيادة عن حلية الأولياء.
(٦) انظر تفسير القرطبي ٧ / ١١٧ والدر المنثور للسيوطي ٣ / ٣٧٢.