عنوة (١) ، فقتل فيها ثلاثين ألفا وسبى مثلهم ، وكان في سبيه ستّون بطريقا ، وطرح النّار في عمّورية من سائر نواحيها فأحرقها ، وجاء ببابها إلى العراق ، وهو باق إلى الآن ، منصوب على أبواب دار الخلافة ، وهو الباب الملاصق مسجد الجامع في القصر.
وكان المعتصم قبل وصوله عمّورية خرّب ما مرّ به من قراهم ، وهربت الرّوم في كلّ وجه ؛ وقيل : وخرّب أنقرة (٢) ، وتوجه قافلا ، فضرب رقاب أربعة آلاف ونيّف من الأسارى ، ولم يزل يقتل الأسارى في مسيره ويحرق ويخرّب حتى ورد بلاد الإسلام ؛ وأتي فيها ببابك (٣) أسيرا ، فأمر بقطع يديه ورجليه ، وضرب عنقه ، وصلبه في سنة ثلاث وعشرين ومائتين ؛ وكانت الرّوم أغارت على زبطرة (٤) في سنة اثنتين وعشرين ومائتين ، فقتلوا وأسروا من وجدوا بها ، وخرّبوها (٥) ، فدخل قائد له في جماعة في درب الحديد ، ودخل المعتصم من درب الصّفصاف في جماعة لم تدخل أرض الرّوم قبلهم ، ولقي أفشين الطّاغية ، فظفره الله به ، وولّى الطّاغية منهزما مفلولا ، وسار المعتصم إلى عمّورية ، ووافاه أفشين عليها ، فأسر وغنم ، وحاصرها ونصب عليها المجانيق ، فهتك سورها وفتحها عنوة (٦) ، فقتل وسبى ما لا يحصى عدده ، وشعّث حائطها ، وحرّق وخرّب داخلها ، وخرج سالما هو وجيوشه ، وخرج معه بياطس (٧) بطريقها وأسرى كثر ، وأقام فيها بعد فتحه ثلاثة أيام ، ورحل في الرّابع ، وقد ظفر قبل ذلك ببابك الخرّمي (٨) وأصحابه ، فقدّم أسيرا فأمر بقتله.
ولمّا (٩) تجهّز المعتصم لغزو عمّورية حكم المنجّمون على ذلك الوقت أنه لا يرجع من
__________________
(١) اللفظة ليست في تاريخ بغداد.
(٢) أنقرة مدينة في بلاد الروم (انظر معجم البلدان).
(٣) يعني بابك الخرمي ، كان ثنويا على دين ماني. ومزدك ، يقول بتناسخ الأرواح ، ويستحل البنت وأمها. انظر خبره في تاريخ الإسلام (٢٢١ ـ ٢٣١) ص ١١ والبداية والنهاية ٧ / ٢٩٢.
(٤) زبطرة بكسر الزاي وفتح ثانيه وسكون الطاء المهملة وراء مهملة ، وزبطرة مدينة في طرف بلد الروم بين ملطية وسميساط (معجم البلدان).
(٥) انظر تاريخ الطبري ٩ / ٥٥ وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧٥ ومروج الذهب ٤ / ٦٩ وتاريخ الإسلام (٢٢١ ـ ٢٣٠) ص ١٣.
(٦) انظر تفاصيل ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥.
(٧) في البداية والنهاية : مناطس.
(٨) انظر مروج الذهب ٤ / ٦٤ وما بعدها.
(٩) الخبر وبعض الأبيات في سير أعلام النبلاء ١٠ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ وتاريخ الإسلام (٢٢١ ـ ٢٣٠) ص ٣٩٥.