أوصي أن يجعل بيني وبين كفني (١) حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة ، أقول : يا رب ، سل عبدك هذا : لم قيدني (٢) ، وروّع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي ، وبكى الشيخ ، وبكى الواثق ، وبكينا ، وسأله الواثق أن يجعله في حل ، فقال : والله لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ كنت رجلا من أهله.
فقال الواثق : لي إليك حاجة ، فقال : إن كانت ممكنة فعلت ، قال الواثق : تقيم عندنا فننتفع بك ، وينتفع بك فتياننا ، فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، إن ردّك إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عندك ، وأصير إلى أهلي وولدي أكف دعاءهم عليك ، فقد خلّفتهم على ذلك.
قال الواثق : فتقبّل منا صلة تستعين بها على دهرك ، قال : يا أمير المؤمنين ، لا تحلّ لي ، أنا عنها غني ، وذو مرة ، سوي ، فقال : سل حاجة ، قال : أو تقضيها؟ قال : نعم ، قال : يخلّى لي السبيل الساعة إلى الثغر ، قال : قد أذنت لك ، فسلّم عليه وخرج.
قال المهتدي : فرجعت عن هذه المقالة ، وأحسب أن الواثق رجع عنها منذ ذلك الوقت.
وفي حديث آخر بمعناه :
وسقط ابن أبي دواد من عينه ، ولم يمتحن بعد ذلك أحدا.
لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين (٣) :
الموت فيه جميع الخلق مشترك |
|
لا سوقة منهم (٤) يبقى ولا ملك |
ما ضر أهل قليل في تفاقرهم (٥) |
|
وليس يغني على الإملاك ما ملكوا |
ثم أمر بالبسط ، فطويت ، وألصق خده بالأرض ، وجعل يقول : يا من لا يزول ملكه ، أرحم من قد زال ملكه.
__________________
(١) في مروج الذهب : أن يجعل بين كفني وبدني.
(٢) في مروج الذهب : لم قيدني ظلما.
(٣) الخبر والبيتان في تاريخ بغداد ١٤ / ١٩ والبداية والنهاية ١٠ / ٣٤١ وسير الأعلام ١٠ / ٣١٣.
(٤) تاريخ بغداد : بينهم.
(٥) كذا بالأصل والبداية والنهاية ، وفي سير الأعلام : «فرقهم» وفي تاريخ بغداد : «تنافرهم» وكتب على هامشها : كذا في الأصل.