وللجرمى بجانب ذلك بعض آراء صرفية خالف فيها سيبويه ، منها أن سيبويه كان يرى أن وزن «كلتا» فعلى مثل ذفرى ، وذهب الجرمى إلى أن التاء فيها زائدة وأن وزنها لذلك فعتل (١). وكان سيبويه يذهب كما أسلفنا ، إلى أن كلمة اطمأنّ مقلوبة عن طأمن ، وذهب الجرمى إلى العكس وأن كلمة طأمن هى المقلوبة عن طمأن (٢). ولعل فى كل ما قدمنا ما يدل على دقة عقله وسعة ذهنه.
٤
أبو عثمان (٣) المازنى
هو بكر بن محمد بن بقية من بنى مازن الشيبانيين ، من أهل البصرة ، بها مولده ومرباه ، وأكبّ منذ صباه على حلقات النحاة واللغويين البصريين كما أكبّ على حلقات المتكلمين ، ولزم الأخفش ، وأخذ عنه كتاب سيبويه ، حتى إذا توفّى هو والجرمى أصبح علم البصرة المفرد فى النحو والتصريف. ويقال إنه ورد بغداد فى عهد المعتصم وأخذ عنه كثيرون ، وعاد إلى موطنه ، وحدث أن جارية بصرية بيعت للواثق فغنّته يوما :
أظليم إنّ مصابكم رجلا |
|
أهدى السّلام إليكم ظلم |
فردّ بعض الحاضرين ـ وهو التّوّزى العالم اللغوى المعروف ـ عليها نصبها رجلا ، وظنّ أنه خبر إن ، وإنما هو مفعول به للمصدر «مصابكم» أى إصابتكم ، وظلم فى آخر البيت خبر إن. فقالت الجارية : لا أقبل هذا ولا أغيّره ، وقد قرأته بهذه الصورة على أعلم الناس بالبصرة أبى عثمان المازنى ، فأمر الواثق بإحضاره ،
__________________
(١) الخصائص ١ / ٢٠٣ وسر صناعة الإعراب ١ / ١٦٨.
(٢) الخصائص ٢ / ٧٤ والمنصف ٢ / ١٠٤.
(٣) انظر فى ترجمة المازنى أبا الطيب اللغوى ص ٧٧ والسيرافى ص ٧٤ والزبيدى ص ٩٢ ونزهة الألباء ص ١٨٢ وتاريخ بغداد ٧ / ٩٣ والأنساب الورقة ٥٠٠ وابن خلكان فى بكر ومعجم الأدباء ٧ / ١٠٧ وإنباه الرواة ١ / ٢٤٦ والفهرست ص ٩٠ وطبقات القراء لابن الجزرى ١ / ١٧٩ وشذرات الذهب ٢ / ١١٣ وبغية الوعاة ص ٢٠٢.