وتوجيهه ضعيف. وكان سيبويه ونحاة البصرة يهدرون ما يجرى على لسان عرب الحطمة لما دخل على سلائقهم من ضعف بسبب إقامتهم فى الحاضرة ، بل لقد كانوا يهدرون ما جاء على ألسنة بعض البدو من لغات شاذة لا تجرى مع القياس المستنبط من كثرة ما يدور على ألسنة الفصحاء كالجرّ بلعل والجزم بلن. ولا بد أن سيبويه شرح ذلك فى حواره ومناظرته مع الكسائى ، وإن كان الرواة للحادثة لم يدوّنوه. ويقال إن يحيى البرمكى أجازه بعشرة آلاف درهم. ويظهر أنه لم تطب له الإقامة ببغداد فولى وجهه نحو موطنه ، غير أن الموت عاجله فى شيراز ، وقيل فى همذان أو ساوة ، واختلف الرواة فى تاريخ وفاته ، والأرجح أنه توفى سنة ١٨٠ للهجرة.
٢
الكتاب
من المؤكد أن سيبويه بدأ تأليف الكتاب بعد وفاة الخليل ، إذ نراه فى بعض المواضع يعقّب على ذكره لاسمه بكلمة «رحمهالله». وقد حمله عنه تلميذه الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ، وأذاعه فى الناس باسم «الكتاب» علما اختصّ به هذا المصنّف وحده دون بقية المصنفات فى عصره ، بحيث كان يقال فى البصرة «قرأ فلان الكتاب» فيعلم أنه كتاب سيبويه دون شك. وظل هذا الاسم خاصّا به ، دلالة على روعة تأليفه وإحكامه. ونرى كثيرين من النحاة وغيرهم ينوهون به تنويها عظيما ، من ذلك قول أبى عثمان المازنى تلميذ الأخفش : «من أراد أن يعمل كتابا كبيرا فى النحو بعد كتاب سيبويه فليستحى» ويقول الجاحظ : «أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك (الزيات وزير المعتصم) ففكرت فى شىء أهديه إليه ، فلم أجد شيئا أشرف من كتاب سيبويه ، وقلت له : أردت أن أهدى إليك شيئا ، ففكرت ، فإذا كل شىء عندك ، فلم أر أشرف من هذا الكتاب ، وقد اشتريته من ميراث الفرّاء ، فقال ابن عبد الملك : والله ما أهديت إلىّ شيئا أحبّ إلىّ منه». ويقول أبو الطيب