بالباء غير أنه ضمّن فى الآية معنى الإفضاء ، ولذلك يتعدى بإلى كما يتعدى بها الإفضاء ، ومثل (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أى مع الله ، لأنه فى معنى من يضاف فى نصرتى إلى الله ، ومثل (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) وضعت إلى موضع فى لأن ما قبلها فى معنى أدعوك وأرشدك (١).
وابن جنى يسند كلامه دائما بقراءات القرآن والسماع عن العرب ، وقد يستشهد بالحديث النبوى ، ولكن لا للاستنباط ووضع القواعد وإنما للائتناس (٢). وكان مثل أستاذه يعنى بالقياس عناية شديدة حتى ليمكن أن يقال إن كتابه الخصائص إنما هو مجموعة كبيرة من الأقيسة السديدة ، وبلغ من عنايته بالقياس أن كان يقول : «إن مسألة واحدة من القياس أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس» (٣). وقد عقد فى جزئه الأول فصلا طويلا لبيان أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم وإن لم ينطقوا به. واتسع فى ثنايا مصنفاته فى صور التدريب على الأقيسة ، ومن يرجع إلى كتابه المنصف فى شرح تصريف المازنى يجده يختمه بنحو ستين صحيفة فى تمارين صرفية أبنيتها كلها من صنعه. ودائما يدعم آراءه وآراء سابقيه من النحاة بالحجج البينة والأدلة الناصعة ، ووصف بعض أدلته بأنها كالأدلة الهندسية فى الوضوح والبيان (٤).
٤
بغداديون متأخرون
كان ظهور الإمامين النحويين الكبيرين أبى على الفارسى وتلميذه ابن جنى إيذانا بأن تنزع المدرسة البغدادية نزعة بصرية قوية وأن يسود اتجاهها فى الانتخاب من آراء المدرستين البصرية والكوفية والاجتهاد فى استنباط آراء جديدة ، وأن يتأثر بهما النحاة النابهون الذين خلفوهما فى العراق والشام وإيران ، ويتخذوا
__________________
(١) الخصائص ٢ / ٣٠٨ وما بعدها.
(٢) الخصائص ١ / ٣٣.
(٣) الخصائص ٢ / ٨٨.
(٤) الخصائص ١ / ٦٠.