بين الكاف والمخاطب ، فتقول للواحد أرأيتك بفتح الكاف وللواحدة أرأيتك وتقول للرجال أرأيتكم وللنسوة أرأيتكن. ومن هنا ذهب إلى أن التاء حرف خطاب ، والكاف هى الفاعل لأنها تطابق المسند إليه. ويضعف رأيه أنه قد يستغنى عنها فى التعبير فيقال أرأيت وأن الكاف لم تقع قط فى موضع رفع (١).
وعلى هذا النحو كان لا يزال يلحّ فى تحليل صيغ الذكر الحكيم ومواضع كلمه فى الإعراب على ذهنه مستخرجا منه فيضا من الآراء ، مخالفا البصريين وسيبويه ، وقد يخالف أستاذه ، وهو فى كل ذلك إنما يريد أن يشكّل النحو الكوفى فى صيغته النهائية ، بحيث تستقر قواعده ، ويستقر توجيهه للصيغ العربية ، وتستقر مصطلحاته وتستقر فيه العوامل والمعمولات متخذة كل ما يمكن من أوضاع جديدة.
٤
بسط السماع والقياس وقبضهما حتى فى القراءات
كان الفرّاء يتوسع مثل أستاذه الكسائى فى الرواية عن الأعراب المتحضرين ، وإن كنا نلاحظ أنه إنما كان يتتبّع فصحاءهم ، ممن سميناهم فى غير هذا الموضع ، أمثال أبى ثروان وأبى الجراح. وتدل كثرة ما رواه عن العرب وقبائلهم أنه كانت له رحلة واسعة إلى الجزيرة ، إذ يكثر فى كتابه معانى القرآن أن يقول : «وسمعت العرب تقول» أو يقول : «أنشدنى بعض بنى أسد أو بعض بنى كلاب أو بعض ربيعة أو بعض بنى عامر أو بعض بنى حنيفة» إلى غير ذلك من قبائل كثيرة. وأكثر أيضا من الرواية عن المفضل الضبى. أما الكسائى فله الحظ الأوفر من الأشعار التى استشهد بها فى معانى القرآن. وقلما يذكر اسم الشاعر الجاهلى والإسلامى الذى ينشد من شعره ، اكتفاء بأن ذلك كان معروفا متداولا بين
__________________
(١) معانى القرآن ١ / ٣٣٣ ، وانظر مجالس ثعلب (طبع دار المعارف) ص ٣٧٢ والمغنى ص ١٩٨ والهمع ١ / ٧٧.