أن تأتينى ، وأبين من ذلك أن تقول أكرمك أن أتيتنى ، كذلك قول الشاعر :
أتجزع أن بان الخليط المودّع |
|
وحبل الصّفا من عزّة المتقطّع |
يريد : أتجزع بأن أو لأن كان ذلك ، ولو أراد الاستقبال ومحض الجزاء لكسر إن وجزم بها كقول الله جلّ ثناؤه : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا)(١).
ومن ذلك الآية الكريمة : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) فقد قال إنه يصح دخول أن فى قوله تعالى (لا تَعْبُدُونَ) ولكنها لما حذفت رفع الفعل ، ثم وقف بإزاء قراءة (لا تعبدوا إلا الله) وقال إنها مجزومة بالنهى وليست جوابا لأخذ الميثاق الذى يدل على الاستحلاف كأنها جواب ليمين كما ذهب إلى ذلك بعض النحاة ، لأن الأمر لا يكون جوابا لليمين. وجوّز فى القراءة الأولى أن يكون الأصل النهى وأخرج الفعل (لا تَعْبُدُونَ) مخرج الخبر ، ويؤيده أن بعده (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ). وكان الكسائى يذهب فى قراءة (لا تعبدوا) إلى أن أصلها بأن لا تعبدوا ، فحذف الجار وأن ، وهو تقدير بعيد ، ونسب ابن هشام ذلك أيضا إلى الفراء ، ولم يذكره فى تعليقه على الآية (٢).
ومن ذلك مخالفته أستاذه فى إعراب خيرا من قوله تعالى : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) فقد كان الكسائى يذهب إلى أن خيرا منصوبة على إضمار يكن ، وذهب الفراء إلى أنها مفعول مطلق ، إذ التقدير آمنوا إيمانا خيرا لكم فهى صفة للمصدر المحذوف ، وردّ على الكسائى بأن كلامه يبطله القياس لأنك تقول : اتق الله تكن محسنا ، ولا يجوز أن تقول اتق الله محسنا وأنت تضمر تكن ، ولا يصلح أن تقول : انصرنا أخانا وأنت تريد تكن أخانا (٣).
ومعروف أن (أَرَأَيْتَكُمْ) فى مثل قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) بمعنى أخبرونى ، وكان سيبويه يعرب التاء فيها فاعلا والكاف حرف خطاب. وقال الكسائى بل الكاف مفعول به. وقال الفراء إن العرب تطابق فى هذا التعبير
__________________
(١) معانى القرآن ١ / ٥٨ ، ١٧٨ ـ ١٨١ وانظر الرضى على الكافية ١ / ٥٣.
(٢) معانى القرآن ١ / ٥٣ وانظر المغنى ص ٤٥٢.
(٣) معانى القرآن ١ / ٢٩٥.