البازى بقولهم : «صرصر» فقد قال إنهم توهموا فى صوت الجندب استطالة ومدّا فقالوا صرّ بينما توهمو فى صوت البازى تقطيعا ، فقالوا «صرصر» (١). وسنرى فيما يلى أمثلة كثيرة تصور حسه اللغوى المصفّى وملكاته العقلية التى لا يكاد يفوتها شىء.
٣
العوامل والمعمولات
كل من يقرأ كتاب سيبويه يرى رأى العين أن الخليل هو الذى ثبّت أصول نظرية العوامل ومدّ فروعها وأحكمها إحكاما بحيث أخذت صورتها التى ثبتت على مرّ العصور ، فقد أرسى قواعدها العامة ذاهبا إلى أنه لا بد مع كل رفع لكلمة أو نصب أو خفض أو جزم من عامل يعمل فى الأسماء والأفعال المعربة ومثلهما الأسماء المبنية. والعامل عادة لفظى مثل المبتدأ وعمله فى الخبر الرفع ، والفعل وعمله فى الفاعل الرفع وفى المفعولات النصب. وقد يكون العامل معنويّا على نحو ما نصّ تلميذه سيبويه فى باب المبتدأ إذ جعله معمولا للابتداء. ومن العوامل أدوات وحروف ، منها ما يجزم الفعل وهو لم وإن وأخواتهما ومنها ما ينصبه أو ينصب بعده وهو أن ولن وبابهما. ومنها ما ينصب ما بعده ويرفعه كالفعل وهو إنّ وأنّ ولكن وكأن وليت ولعل ، يقول سيبويه : «زعم الخليل أن هذه الحروف عملت عملين : الرفع والنصب كما عملت كان الرفع والنصب حين قلت كان أخاك زيد ، إلا أنه ليس لك أن تقول «كأن أخوك عبد الله» تريد كأن عبد الله أخوك لأنها لا تتصرف تصرف الأفعال ولا يضمر فيها المرفوع كما يضمر فى كان ، ومن ثمّ فرّقوا بينهما كما فرّقوا بين ليس وما فلم يجروها مجراها ، ولكن قيل هى بمنزلة الأفعال فيما بعدها وليست بأفعال» (٢). وقال إذا دخلت ما على إنّ هى وأخواتها كفّت عن العمل أو ألغى عملها ما عدا ليت فإنه يجوز معها الإلغاء والعمل إذا وليتها ما (٣). وفى ذلك ما يؤكد أنه صاحب فكرة الإلغاء والإعمال فى العوامل لا فى باب إنّ وحده ، بل أيضا فى باب ظن وأخواتها وغيره من الأبواب. وهو الذى فتح مباحث حروف الجر الزائدة التى تعمل عملا لفظيّا فيما بعدها ،
__________________
(١) الخصائص ٢ / ١٥٢.
(٢) الكتاب ١ / ٢٨٠.
(٣) الكتاب ١ / ٢٨٢ وما بعدها.