وكلاك محسنان» (١). وكان يجيز فى تابع المنادى العلم إذا كان مضافا الرفع ، فتقول : يا زيد ذو المعرفة ويا محمد أبو عمرو ويا تميم كلّكم بالرفع ، والجمهور لا يجيز سوى النصب (٢).
٣
كوفيون متأخرون
لم تنحسر ظلال المدرسة الكوفية بعد أبى بكر بن الأنبارى ، فقد ظلت تنقبض ، وتمتد فى الحين بعد الحين. وكان مما هيّأ لامتدادها أحيانا أن المدرسة البغدادية التى خلفتها عنى الأولون منها لا بالمزج بين آرائها والآراء الكوفية فحسب ، بل أيضا بتوجيه آرائها وفتق العلل التى تؤيدها على نحو ما سنرى فى غير هذا الموضع. وظل الخالفون لهذه المدرسة يستظهرون تلك الآراء ، ويجلبون منها إلى مصنفاتهم بعض دررها. وكان من أهم ما أتاح لهذه المدرسة أن تعيش فى ذاكرة الأجيال التالية أن المتنبى أكبر شعراء العربية عنى ـ كما صورنا ذلك فى كتاب الفن ومذاهبه فى الشعر العربى ـ بالتصنع للغات الشاذة فى التراكيب ، مما جرّه فى شعره إلى الاحتذاء على أكثر ما روته المدرسة الكوفية منها ، حتى ليقول ابن يعيش إنه «كان يميل كثيرا إلى مذهب الكوفيين (٣)» ويكفى أن نذكر هنا بعض أمثلة تصوّر تشيعه لهم ، من ذلك الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، وكان البصريون يمنعون ذلك منعا باتّا (٤) ، يقول :
حملت إليه من ثنائى حديقة |
|
سقاها الحجى سقى الرياض السحائب |
فقد فصل بين السقى والسحائب بالمفعول به للسقى وهو الرياض. ومثال ثان هو استخدامه التفضيل فى الألوان مثل قوله فى الشيب :
ابعد بعدت بياضا لا بياض له |
|
لأنت أسود فى عينى من الظّلم |
__________________
(١) المغنى ص ٢٢٣.
(٢) الرضى على الكافية ١ / ١٣٧.
(٣) ابن يعيش ٢ / ١٦.
(٤) انظر الإنصاف ، المسألة رقم ٦٠.