الفصل الأول
نشأة النحو الكوفى وطوابعه
١
النشأة
تركت الكوفة للبصرة وضع نقط الإعراب فى الذكر الحكيم ووضع نقط الإعجام ، والأنظار النحوية والصرفية الأولى التى تبلورت عند ابن أبى إسحق والتى أقام عليها قانونى القياس والتعليل ، إذ كانت فى شغل عن كل ذلك بالفقه ووضع أصوله ومقاييسه وفتاواه وبالقراءات وروايتها رواية دقيقة ، مما جعلها تحظى بمذهب فقهى هو مذهب أبى حنيفة وبثلاثة من القراء السبعة الذين شاعت قراءاتهم فى العالم العربى ، وهم عاصم وحمزة والكسائى. وعنيت بجانب ذلك عناية واسعة برواية الأشعار القديمة وصنعة دواوين الشعر ، وإن كانت لم تعن بالتحرى والتثبت فيما جمعت من أشعار ، حتى ليقول أبو الطيب اللغوى : «الشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله ، وذلك بيّن فى دواوينهم» (١).
وعادة تذكر كتب التراجم أولية للنحو الكوفى مجسّدة فى أبى جعفر الرّواسى ومعاذ الهرّاء. أما الرّواسى فيقول مترجموه (٢) إنه أخذ النحو عن عيسى بن عمر وأبى عمرو بن العلاء ، وعاد إلى الكوفة فتلمذ عليه الكسائى ، وألف لتلاميذه كتابا فى النحو سماه «الفيصل» (٣). وكان يزعم أن كل ما فى كتاب سيبويه من قوله : «وقال الكوفى» إنما يعنيه ، غير أن الكتاب يخلو خلوّا تامّا من هذه
__________________
(١) مراتب النحويين لأبى الطيب اللغوى ص ٧٤.
(٢) انظر فى ترجمته الزبيدى ص ١٣٥ والفهرست ص ١٠٢ ونزهة الألباء ص ٥٤ ومراتب النحويين ص ٢٤.
(٣) انظر رأى الكسائى فيه وأنه كان مختصرا قليل القيمة فى مجالس العلماء للزجاجى (طبع الكويت) ص ٢٦٦ وانظر ص ٢٦٩.