اتجاها قديما فى صدره منذ قعوده للقراءة والتعليم فى الكوفة ، ورأينا آثاره فى مناظرته مع سيبويه ، ولكنا نؤمن بأن الأخفش هو الذى دفعه دفعا فى هذا الاتجاه ، ولم يدفعه وحده ، بل دفع معه تلاميذه ومن خلفوهم على المدرسة الكوفية. ونرى الكسائى ينشط لا فى تأليف كتب تتصل بالقرآن الكريم وقراءاته ومعانيه فحسب ، بل يؤلف أيضا فى النحو كتابين هما مختصر النحو وكتاب الحدود فى النحو. وألف فى أغلاط العامة كتابا سماه «ما نلحن فيه العوام» وهو مطبوع. وما زال يوالى هذا النشاط العلمى حتى خرج مع الرشيد فى مسيره إلى خراسان سنة ١٨٩ للهجرة واعتل علة شديدة لم يلبث أن توفّى منها بقرية رنبويه بالقرب من الرّىّ ، وتوفّى معه الفقيه المشهور محمد بن الحسن الشيبانى ، فحزن الرشيد عليهما حزنا شديدا ، وقال : «دفنّا الفقه والنحو بالرّىّ».
٢
تأسيسه للمدرسة الكوفية
لا ريب فى أن الكسائى يعدّ إمام مدرسة الكوفة ، فهو الذى وضع رسومها ووطّأ منهجها ، وفيه يقول أبو الطيب اللغوى «كان عالم أهل الكوفة وإمامهم ، إليه ينتهون بعلمهم ، وعليه يعوّلون فى روايتهم» وينبغى أن لا نلتفت إلى ما يقوله أبو حاتم بدافع العصبية للبصرة إذ يزعم أنه «لم يكن لجميع الكوفيين عالم بالقرآن ولا كلام العرب ، ولو لا أن الكسائى دنا من الخلفاء فرفعوا من ذكره لم يكن شيئا ، وعلمه مختلط بلا حجج ولا علل إلا حكايات عن الأعراب مطروحة ، لأنه كان يلقّنهم ما يريد ، وهو على ذلك أعلم الكوفيين بالعربية والقرآن وهو قدوتهم وإليه يرجعون». وكأن أبا حاتم نقض بنهاية كلامه طعنه فى الكسائى ، وهو قد طعنه فى خلقه وأنه كان يلقّن الأعراب ما يريد من نحو شاذ ، وهو طعن لا يعبأ به ، إذ كان معروفا بالثقة والأمانة والصدق فيما يروى ، وعنه حمل معاصروه ومن تلاهم إحدى القراءات السبع الوثيقة ، أما أن علمه ليس منظّما ، وأنه يفتقر إلى الحجج والعلل فقد يكون ذلك صحيحا إذا قسناه إلى