سيبويه ، ولكن من المؤكد أنه تلقن عنه وعن الخليل وعيسى بن عمر معرفة العلل والأقيسة ، بل لقد كان يؤمن بأن النحو إنما هو ضروب من القياس وما يطوى فيه من علل وحجج تشدّه وتقيم أوده ، حتى ليقول :
إنما النحو قياس يتّبع |
|
وبه فى كل أمر ينتفع |
وحقّا إنه توسع فى القياس ، فلم يقف به عند المستعمل الشائع على الألسنة ولا عند أعراب البدو بل مدّه ليشمل ما ينطق به العرب المتحضرون ممن يمكن أن يكون قد دخل اللحن على ألسنتهم فى رأى البصريين ، ولعله من أجل ذلك ألف كتابه فى لحن العوامّ ليدل على أنه كان يفرق بين لغات العرب وبين هذا اللحن. وأهم من ذلك أنه مدّ النحو ليشمل الشاذ النادر من تلك اللغات مما لم يكن سيبويه والخليل يحفلان به ، ولا يريان له قدرا ، لسبب طبيعى تحدثنا عنه فى الفصل الماضى ، وهو أنهما كانا يريدان أن يضعا فى صورة حازمة صارمة قوانين النحو ، بحيث لا يعتريها الاضطراب والخلل ، وبحيث تطّرد ولا تتأرجح بين موازين مختلفة.
وأكبر الظن أن الذى دفع الكسائى إلى هذا الموقف من نحوهما وأن يفسح فى العربية للغات الشاذة النادرة أنه كان ـ كما عرفنا ـ من القرّاء للذكر الحكيم ، وكانت تجرى فى قراءاته حروف تشذ على قواعد النحو البصرى ، فخشى أن يظنّ بهذه الحروف أنها غير جائزة وأنها لا تجرى على العربية السليمة ، وربما خشى اندثارها ، وهى جميعا مرويّة عن الرسول صلىاللهعليهوسلم غير أن منها ما هو متواتر وهو القراءات السبع ومنها ما هو غير متواتر ، وهو ما وراءها من قراءات ، وجميعها صحيح ، وينبغى أن نتوسع فى قواعد النحو والصرف حتى تشمله. ومرّ بنا أن سيبويه والخليل جميعا لم يوهّنا من قراءة ، بل قال سيبويه إن القراءة سنّة ، يريد أنه لا يصح التعرض لها بتصويب أو تخطئة ، وكأنما تنبه الأخفش للقضية ، فوجّه ـ كما لاحظنا فى ترجمته ـ ما اصطدم من بعض القراءات بقواعد مدرسته ، وهو اصطدام فى الظاهر ، لأن سيبويه احتفظ فى كتابه بمادة وفيرة من الأشعار والأقوال الشاذة على مقاييسه ، يريد أن ينصّ على أنها جرت على ألسنة بعض الأعراب الفصحاء ولكنها لا تجرى على القواعد