الفصل الثالث
المدرسة المصرية
١
النشاط النحوى فى مصر
كان طبيعيّا أن تنشط دراسات النحو فى مصر مبكرة مع العناية بضبط القرآن الكريم وقراءاته ، مما دفع إلى نشوء طبقة من المؤدّبين على غرار ما حدث بالأندلس ، كانوا يعلّمون الشباب فى الفسطاط والإسكندرية مبادئ العربية حتى يحسنوا تلاوة الذكر الحكيم ، وأسهم فى ذلك معهم غير عالم ممن كانت تجذبهم مصر إليها ، ومن أقدمهم عبد الرحمن (١) بن هرمز تلميذ أبى الأسود الدؤلى المتوفى بالإسكندرية سنة ١١٧ للهجرة ، وقد عرضنا له فى أوائل حديثنا عن نشوء مدرسة البصرة ، وقلنا إنه ممن أذاع نقط الإعراب ونقط الإعجام فى المصحف ، وإنه كان من جلّة القرّاء ، وكان قد أخذ القراءة عن عبد الله بن العباس وأبى هريرة وعنه أخذها نافع ابن أبى نعيم مقرىء أهل المدينة وأحد القراء السبعة المشهورين. ومن أنبه القراء الذين خلفوه بمصر وأشهرهم ورش : عثمان (٢) بن سعيد القبطىّ الأصل المتوفى فى سنة ١٩٧ للهجرة ، رحل إلى المدينة وأخذ عن نافع قراءته سنة ١٥٥ ثم عاد إلى الفسطاط ، فانتهت إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية ، وكان ماهرا فى العربية ، وحمل عنه قراءته كثيرو أذاعوها لا فى مصر وحدها ، بل أيضا فى الأندلس ، وفى المغرب ولا تزال شائعة به إلى اليوم.
وأول نحوىّ حمل بمصر راية النحو بمعناه الدقيق ولّاد (٣) بن محمد التميمى
__________________
(١) انظر فى ترجمة ابن هرمز المراجع التى ذكرناها فى حديثنا عن وضع البصرة للنحو.
(٢) راجع فى ترجمة ورش معجم الأدباء ١٢ / ١١٦ وطبقات القراء ١ / ٥٢.
(٣) انظر فى ترجمة ولاد طبقات الزبيدى ص ٢٣٣ وإنباه الرواة ٣ / ٣٥٤ وبغية الوعاة ص ٤٠٥.