البصرىّ الأصل الناشئ بالفسطاط ، وقد رحل إلى العراق ، فلقى الخليل بن أحمد ، وأخد عنه ، ولازمه ، وسمع منه الكثير ، وعاد إلى مصر ، ومعه كتبه التى استفادها فى العربية من إملاءات الخليل ، وأخذ يحاضر فيها الطلاب ، ويقول الزبيدى : «إنه لم يكن بمصر كبير شىء من كتب النحو واللغة قبله». وكان يعاصره أبو الحسن (١) الأعز الذى تتلمذ على الكسائى. وبذلك اتصلت الدراسات النحوية بمصر فى زمن مبكر بإمامى المدرستين الكوفية والبصرية.
وتلت هذه الطبقة طبقة ثانية لمع فيها اسم الدّينورى أحمد (٢) بن جعفر الذى رحل من موطنه دينور إلى البصرة فى طلب النحو ، فأخذ عن المازنى وحمل عنه كتاب سيبويه ، ودخل إلى بغداد فأصهر إلى ثعلب ، غير أنه كان يترك حلقته إلى حلقة المبرد ، ثم قدم مصر واستقر بها يعلّم النحو ، وصنّف لطلابه المصريين كتابا سماه «المهذب» ذكر فى صدره اختلاف الكوفيين والبصريين ، غير أنه لما أمعن فيه عوّل على مذهب البصريين وخاصة على كتابات الأخفش الأوسط ، وصنّف فى ضمائر القرآن مصنفا نوه به القدماء وقد توفى سنة ٢٨٩ للهجرة.
وكان يعاصره محمد (٣) بن ولاد بن محمد التميمى المتوفى سنة ٢٩٨ وقد عكف مثل أبيه ولاد على دراسة العربية وبدأ بأخذ كل ما عند الدينورى ومعاصريه من النحاة المصريين أمثال محمود (٤) بن حسان ، ثم رحل إلى بغداد ، وقرأ كتاب سيبويه على المبرد. وعاد إلى موطنه فتصدّر لإقراء النحو وصنف فيه كتابا سماه «المنمّق» حمله عنه المصريون ، وانتقلت نسخته من كتاب سيبويه إلى ابنه أبى العباس.
__________________
(١) انظر الزبيدى ص ٢٣٣.
(٢) راجع فى ترجمة الدينورى الزبيدى ص ٢٣٤ وإنباه الرواة ١ / ٣٣ ومعجم الأدباء ٢ / ٢٣٩ وبغية الوعاة ص ١٣٠ وشذرات الذهب ٢ / ١٩٠.
(٣) انظر فى ترجمة محمد بن ولاد الزبيدى ص ٢٣٦ وتاريخ بغداد ٣ / ٣٣٢ ومعجم الأدباء ١٩ / ١٠٥ وإنباه الرواة ٣ / ٢٢٤ وبغية الوعاة للسيوطى ص ١١٢.
(٤) انظره فى إنباه الرواة ٣ / ٢٦٤.