الشعرية ونسبة المجهول منها إلى من نظموه من العرب ، وكان أول من عنى بذلك الجرمىّ ، وفى ذلك يقول : «نظرت فى كتاب سيبويه ، فإذا منه ألف وخمسون بيتا ، فأما الألف فقد عرفت أسماء قائليها فأثبتّها ، وأما الخمسون فلم أعرف أسماء قائليها» (١). وعنى بعده كثيرون بشرح هذه الشواهد وفى مقدمتهم المبرد والزجاج والسيرافى. وكان سيبويه من الثقة بحيث لم يطعن أحد فى شىء مما أنشده من الأشعار المجهولة القائل ولا تعلق عليه باتهام أو إنكار ، وفى ذلك يقول صاحب الخزانة : «الشاهد المجهول ... إن صدر من ثقة يعتمد عليه قبل وإلا فلا ، ولهذا كانت أبيات سيبويه أصح الشواهد ، اعتمد عليها خلف بعد سلف ، مع أن فيها أبياتا عديدة جهل قائلوها وما عيب بها ناقلوها» (٢)
٣
التعريفات والعوامل والمعمولات
يغلب على سيبويه أن يعنى فى توضيح الباب الذى يتحدث عنه بذكر أمثلته التى تكشفه ، يقول مثلا فى باب التنازع بعد ذكر عنوانه السالف : «وهو قولك ضربت وضربنى زيد ، وضربنى وضربت زيدا تحمل الاسم على الفعل الذى يليه فالعامل فى اللفظ أحد الفعلين وأما فى المعنى فقد يعلم أن الأول قد وقع إلا أنه لا يعمل فى اسم واحد رفع ونصب ، وإنما كان الذى يليه أولى لقرب جواره» ويقول فى باب الإمالة : «هذا باب ما تمال فيه الألفات ، فالألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور ، وذلك قولك عابد وعالم ومساجد ومفاتيح وعذافر وهابيل» (٣). والكثرة الغالبة فى أبواب الكتاب تجرى على هذا النحو من تصويرها عن طريق التمثيل وذكر الشواهد ، وقد يعمد إلى ذكر الأقسام المنطوى عليها الباب ، كقوله فى فاتحة كتابه : «الكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل» وقوله مقسما المنادى إلى منصوب ومرفوع : «هذا باب النداء ، اعلم أن النداء كلّ اسم مضاف فيه فهو نصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره ،
__________________
(١) خزانة الأدب للبغدادى ١ / ١٧٨.
(٢) البغدادى ١ / ٨.
(٣) الكتاب ٢ / ٢٥٩.