بمعناه ، والمحقّر هو للمكبر ، والتحقير فيه جار مجرى الصفة فكأن لم يحدث بالتحقير أمر يحمل عليه غيره كما حدث بالتكسير حكم يحمل عليه الإفراد» ويعلق ابن جنى على هذا التعليل بقوله : «هذا معقد معناه ، وما أحسنه وأعلاه» (١). وواضح أن تعليلاته لم تكن تقف عند آرائه ، بل كانت تمتد إلى آراء سيبويه وغيره من النحاة السابقين.
٣
ابن جنى (٢)
هو أبو الفتح عثمان بن جنّى الموصلى ، كان أبوه مولى روميّا ، وربما كان اسمه جنى تعريبا لكلمة suianneG اليونانية ، وقد ولد له ابنه عثمان حوالى سنة ٣٢٠ للهجرة ، ويبدو أنه رأى فيه مخايل ذكاء فدفعه إلى التعلم ، ولم يلبث أن منح عنايته لعلوم اللغة ، فأكبّ على دروس أحمد بن محمد الموصلى النحوى مواطنه. وأغلب الظن أنه نزل بغداد مبكرا ، ففى تصانيفه ترداد لذكر بعض تلاميذ المبرد مثل محمد بن سلمة وبعض تلاميذ ثعلب مثل ابن مقسم ، غير أنه سرعان ما عاد إلى الموصل ، وأخذ يدرس للطلاب فى مسجدها ، وهو فى أثناء ذلك يتعرض للأعراب الفصحاء ويأخذ عنهم مثل أبى عبد الله الشجرى الذى يتردد ذكره فى الخصائص. وحدث أن مرّ بحلقته فى سنة ٣٣٧ للهجرة أبو على الفارسى إمام النحاة فى عصره ، فأعجبه ذكاؤه ، وتعجب من قعوده للدرس والإملاء قبل نضجه ، فقال له : لقد أصبحت زبيبا وأنت حصرم ، وكأنما دلعت هذه الكلمة نارا فى قلبه ، ليستكمل أداته ، ولم يجد خيرا من ملازمة هذا الإمام الفذ ، فلزمه أربعين سنة متنقلا معه فى رحلاته ، مشغوفا بآرائه مبهورا بفطنته
__________________
(١) الخصائص ١ / ٣٥٤.
(٢) انظر فى ترجمة ابن جنى نزهة الألباء ص ٣٣٢ ويتيمة الدهر ١ / ٨٩ ودمية القصر ص ٢٩٧ وتاريخ بغداد ١١ / ٣١١ ومعجم الأدباء ١٢ / ٨١ وإنباه الرواة ٢ / ٣٣٥ ومرآة الجنان ٢ / ٤٤٥ وابن خلكان ١ / ٣١٣ وشذرات الذهب ٣ / ١٤٠ وروضات الجنات ص ٤٦٦ وبغية الوعاة ص ٣٢٢.