الفصل الأول
المدرسة البغدادية
١
نشوء المدرسة البغدادية
اتبع نحاة بغداد فى القرن الرابع الهجرى نهجا جديدا فى دراساتهم ومصنفاتهم النحوية يقوم على الانتخاب من آراء المدرستين البصرية والكوفية جميعا ، وكان من أهم ما هيّأ لهذا الاتجاه الجديد أن أوائل هؤلاء النحاة تتلمذوا للمبرد وثعلب ، وبذلك نشأ جيل من النحاة يحمل آراء مدرستيهما ويعنى بالتعمق فى مصنفات أصحابهما والنفوذ من خلال ذلك إلى كثير من الآراء النحوية الجديدة.
وكان من هذا الجيل من يغلب عليه الميل إلى الآراء الكوفية ومن يغلب عليه الميل إلى الآراء البصرية ، فاضطرب كتّاب التراجم والطبقات إزاءه ، فمنهم من حاول تصنيف أفراده فى المدرستين الكوفية والبصرية على نحو ما صنع الزّبيدى فى طبقاته ومنهم من أفردهم بمدرسة مستقلة كما صنع ابن النديم فى الفهرست ، وإن كان قد أدخل فيهم نفرا ليس لهم نشاط نحوى مذكور مثل ابن قتيبة وأبى حنيفة الدينورى.
وحاول بعض الباحثين المعاصرين أن ينفى وجود المدرسة البغدادية ، معتمدا على من ينظمون أفرادها فى البصريين والكوفيين وأن علمين من أعلام جيلها الثانى ينسبان أنفسهما فى البصريين ، وهما أبو على الفارسى وتلميذه ابن جنى ، إذ يعبّران فى تصانيفهما عنهم كثيرا بكلمة أصحابنا (١) ، وينتصران فى أغلب الأمر للآراء البصرية وكثيرا ما يطلق ابن جنى على الكوفيين اسم البغداديين (٢) ، وكأنهم مدرسة واحدة.
__________________
(١) انظر أبو على الفارسى لعبد الفتاح شلى (طبع مطبعة نهضة مصر) ص ١٠٦ والخصائص لابن جنى (طبعة دار الكتب المصرية سنة ١٩٥٢) ١ / ١٣٧ وسر صناعة الإعراب (طبعة الحلبى) ١ / ٢٦٧.
(٢) الخصائص ١ / ١٨ وقارن ١ / ١٩٩.