يتفلسف فى تصانيفه ويصطنع فيها ألفاظ الفلاسفة. ومن يرجع إلى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين يجد فيه عتادا غزيرا من الحجج المنطقية العقلية التى أدلى بها الكوفيون فى حوارهم وجدالهم الواسع مع البصريين مما ينقض الزعم السالف نقضا.
ومعنى ذلك أنه ينبغى أن نحذر مبالغات المتشيعين للكوفيين حين يزعمون أنهم كانوا يبنون قياسهم دائما على السماع ، فقد كانوا يجافونه أحيانا ويضربون عنه صفحا مهتدين بالمنطق العقلى الخالص. ومن يرجع إلى كتاب سيبويه يجده مع ما يمتلئ به من حجج منطقية رائعة لا يدلى بقياس ولا قاعدة نحوية عامة دون سماع من أفواه الفصحاء الخصّص وما يخوضون فيه من الشعر والكلام.
٤
المصطلحات وما يتصل بها من العوامل والمعمولات
لعل مما يدل أكبر الدلالة على أن الكوفيين كانوا يقصدون قصدا إلى أن تكون لهم فى النحو مدرسة يستقلون بها أنهم على الرغم من تلمذة أئمتهم الأولين على أيدى البصريين وعكوفهم جميعا على كتاب سيبويه ينهلون منه ويعلّون حاولوا جاهدين أن يميزوا نحوهم بمصطلحات تغاير مصطلحات البصريين والنفوذ إلى آراء خاصة بهم فى بعض العوامل والمعمولات :
ونحن نعرض لأهم مصطلحاتهم التى تداولوها على ألسنتهم وسجّلت فى تصانيفهم وتصانيف من خلفوهم من النحاة ، فمن ذلك اصطلاح «الخلاف» وهو عامل معنوى كانوا يجعلونه علة النصب فى الظرف إذا وقع خبرا فى مثل «محمد أمامك» (١) بينما كان البصريون يجعلون الظرف متعلقا بمحذوف خبر للمبتدأ السابق له. ومن ذلك اصطلاح الصّرف جعله الفراء علة لنصب المفعول معه. مثل «جاء محمد وطلوع الشمس» بينما ذهب جمهور البصريين إلى أنه
__________________
(١) الإنصاف : المسألة رقم ٢٩ والهمع ١ / ٩٨ والرضى ١ / ٨٣ وابن يعيش ١ / ٩١.