آراء كثيرة فى العوامل والمعمولات ومدّ السماع والقياس حينا وقبضهما حبنا آخر ، وبذلك كله استوت للنحو الكوفى صورة مختلفة عن صورة النحو البصرى اختلافا واضحا.
٣
العوامل والمعمولات
أخذ الفراء يردّد النظر فى العوامل والمعمولات التى فرضها البصريون على النحو وقواعده ، وتحول ذلك عنده إلى ما يشبه سباقا بينه وبينهم ، وأحيانا يلتقى بهم وبخاصة بالأخفش على نحو ما مر بنا فى ترجمته ، وأحيانا يفترق ، ويهمنا أن نقف عند مواضع افتراقه ، لأنها هى التى تفرق النحو الكوفى ، كما تصوّره ، من النحو البصرى.
ونقف أولا عند العوامل ، ومرّ بنا أنه كان يرى ما رآه الأخفش من أن العامل فى رفع المضارع هو تجرده من العوامل ، أو كما قال هو تجرده من الناصب والجازم. وكان البصريون يذهبون إلى أن العامل فى المفعول به هو الفعل السابق له أو ما يشبهه من مصدر واسم فاعل ، وكان الكسائى يذهب إلى أن العامل فيه هو خروجه عن وصف الفعل. وذهب الفراء إلى أن العامل فيه هو الفعل والفاعل معا ، وبذلك عدّد العامل فيه (١) ، كما عدّده فى مثل «قام وقعد محمد» إذ جعل لفظة محمد فى مثل هذا التعبير فاعلا للفعلين معا ، على نحو ما أسلفنا فى غير هذا الموضع. وعدّده أيضا فى مثل «يا تيم تيم عدىّ» إذ جعل كلمتى «تيم» مضافتين معا إلى عدى. وقد يكون هذا الرأى أوجه من رأى سيبويه إذ ذهب إلى أن «تيم» الأولى هى المضافة إلى عدىّ والثانية مقحمة بين المضاف والمضاف إليه ، والأصل «يا تيم عدى تيمه» فحذف الضمير من تيم الثانية وأقحمت. وذهب المبرد إلى أن «تيم» الثانية مضافة إلى عدى مقدرة ، أى أنها
__________________
(١) الرضى ١ / ١٨ ، ١١٦ والهمع ١ / ١٦٥.