على هذا التفسير بقوله : «وإن شئت جعلت الآن أصلها من قولك : آن لك أن تفعل ، أدخلت عليها الألف واللام ثم تركتها على مذهب فعل (أى على أصلها الفعلى) فأتاها النصب من نصب فعل ، وهو وجه جيد» (١).
وكان يذهب إلى أن أصل «الذى» ذا المشار بها وكذلك أصل «التى» تى المشار بها. (٢) ومر بنا فى ترجمة الخليل توجيهه لمنع الصرف فى أشياء وأنه حدث فيها قلب أتاح لها منع الصرف ، إذ وزنها لفعاء لا أفعال كما قد يتبادر ، وذهب بعض النحويين إلى أن جمعها أفعال غير أنها أشبهت فعلاء مثل حمراء فمنعوها من الصرف توهما ، وذهب الفراء إلى أنها جمعت على أفعلاء مثل بيّن وأبيناء ، فأصبحت أشيئاء ، وحذفت الهمزة من وسطها لكثرتها فى الاستعمال ، فأصبحت أشياء (٣). ومن آرائه الطريفة أن أصل «بلى» التى يجاب بها فى النفى فى مثل أليس معك الكتاب؟ فيقال بلى للدلالة على الرجوع عن النفى ، يقول : أصلها بل العاطفة فى مثل ما قام زيد بل عمرو ، إذ بل تدل فى هذا التعبير على الرجوع عن النفى ، بالضبط مثل بلى فى جواب الاستفهام عن النفى ، وكل ما فى الأمر أنهم رادوا عليها ألفا حتى تصلح للوقوف عليها (٤). ومر بنا فى ترجمة الكسائى تفسيره لإلا الاستثنائية.
وعلى هذه الشاكلة كان الفراء ـ يحاول بكل جهده ـ أن يضع تفسيرا جديدا لبعض الكلمات والأدوات كما كان يحاول جاهدا أيضا أن يضع فى النحو مصطلحات جديدة ، مستعينا فى ذلك كله بعقله المتفلسف الخصب. وما زال يلحّ فى ذلك حتى استطاع حقّا أن يكوّن للكوفة مدرسة مستقلة فى النحو ، لا كل الاستقلال ، فهى لا تزال تعتمد على ما وضعت البصرة من أسس ، ولكنها فى الوقت نفسه تحاول التميز والتفرد وأن تكون لها شخصيتها المستقلة ، وقد أتيح لها ذلك على يد الفراء لا من حيث ما قدمنا من تحليل بعض الأدوات والكلمات وجلب مصطلحات مبتكرة فحسب ، بل أيضا من حيث النفوذ إلى
__________________
(١) معانى القرآن ١ / ٤٦٧ وما بعدها.
(٢) الهمع ١ / ٨٢.
(٣) معانى القرآن ١ / ٣٢١.
(٤) معانى القرآن ١ / ٥٣.