أحيانا ، لا لغرض استنباط القواعد وإنما للاستئناس. ويتعجب ابن جنى كثيرا من مهارته فى القياس حتى ليقول : «ما كان أقوى قياسه .. فكأنه كان مخلوقا له» (١) ويروى عنه أنه كان يقول : «أخطئ فى خمسين مسألة فى اللغة ولا أخطئ فى واحدة من القياس» (٢) ويدل دلالة واضحة على اتساعه فى القياس ما قاله عنه ابن جنى فى الإلحاق ، إذ ذكر أنه قال : «لو شاء شاعر أو ساجع أو متّسع أن يبنى بإلحاق اللام اسما وفعلا وصفة لجاز له ولكان ذلك من كلام العرب ، وذلك نحو قولك خرجج أكرم من دخلل ، وضربب زيد عمرا ، ومررت برجل ضربب وكرمم ونحو ذلك. قال ابن جنى : فقلت له : أفترتجل اللغة ارتجالا؟ قال : ليس بارتجال ، ولكنه مقيس على كلامهم ، فهو إذن من كلامهم» (٣).
وعلى نحو ما يتعجب ابن جنى من سداد أقيسته يتعجب من قدرته على التعليل وكثرة ما كان يدلى به من تعليلات فى مسائل النحو والتصريف حتى ليقول : «أحسب أن أبا على قد خطر له وانتزع من علل هذا العلم ثلث ما وقع لجميع أصحابنا» (٤).
ويكفى أن نذكر مثالين من تعليلاته أولهما أن سيبويه كان يذهب إلى أن حركة الإعراب حادثة بعد الحروف النهائية فى الكلمات ، وذهب أبو على إلى أنهما حدثتا معا مستدلا بأن النون الساكنة مخرجها من الأنف ومخرج النون المتحركة من الفم ، ولو كانت الحركة حادثة بعد الحرف لوجب أن تكون النون المتحركة أيضا من الأنف (٥). والتعليل الثانى ما رواه ابن جنى من أنه سأله عن ردّ سيبويه كثيرا من أحكام التصغير إلى أحكام جمع التكسير وحمله إياها عليها ، فقال سريحين فى تصغير سرحان لقولهم سراحين وعشيمين فى تصغير عثمان لقولهم عشامين ، فقال أبو على : «إنما حمل التحقير فى هذا على التكسير من حيث كان التكسير بعيدا عن رتبة الآحاد ، فاعتدّ ما يعرض فيه لاعتداده
__________________
(١) الخصائص ١ / ٢٧٧.
(٢) الخصائص ٢ / ٨٨.
(٣) الخصائص ١ / ٣٥٨ وما بعدها.
(٤) الخصائص ١ / ٢٠٨.
(٥) الخصائص ٢ / ٣٢١ وما بعدها.