الكلمة وإن كان قد ذكر أهل الكوفة مع بعض القراءات في ثلاثة مواضع (١). ومن المؤكد أنه لم يدل في النحو بآراء ذات قيمة، بدليل أن اسمه لم يدر في كتب النحاة التالية لعصره ، وفيه يقول أبو حاتم : «كان بالكوفة نحوي يقال له : أبو جعفر الرواسي، وهو مطروح العلم ليس بشيء» (٢). وكان يعاصره معاذ (٣) الهراء المتوفى سنة تسعين ومائة، ويظهر أنه اختلف مثل سالفه إلى نحاة البصرة ، فتلقن عنهم النحو والصرف، ثم رجع إلى الكوفة ، وقعد للإملاء، وأخذ عنه فيمن أخذوا الفراء، وكل ما أثر عنه أنه كان يعرض لبعض مسائل التصريف, وأنه سأل يوما بعض مناظريه: «كيف تقول من (تؤزهم أزا) : يا فاعل افعل؟ وصلْها بيا فاعل افعل من (إذا الموءودة سئلت)» (٤). وبنى السيوطي على هذا الخبر أنه واضع علم الصرف، والخبر لا يسنده كتاب وضعه في هذا العلم، وهو لا يعدو معرفته بالتصريف، وكتاب سيبويه زاخر به وبما لا يكاد يحصى من أمثلته وأبنيته، ومنه خلصها المازني ووضع فيها كتابه «التصريف». ومما يؤكد وهم السيوطي فيما ادعاه أنه ليس لمعاذ في كتب التصريف آراء تنسب إليه ذات قيمة، وكأن علمه بالصرف مثل علم الرواسي في النحو كان علما محدودا لا غناء فيه ولا شيء يميزه من علم البصرة.
إنما يبدأ النحو الكوفي بدءا حقيقيا بالكسائي وتلميذه الفراء. فهما اللذان رسما صورة هذا النحو ووضعا أسسه وأصوله، وأعداه بحذقهما وفطنتهما لتكون له خواصه التي يستقل بها عن النحو البصري، مرتبين لمقدماته، ومدققين في قواعده، ومتخذين له الأسباب التي ترفع بنيانه.
__________________
(١) كتاب سيبويه للنجدي ص ٩٧.
(٢) مراتب النحويين ص ٢٤.
(٣) انظر في ترجمته: الزبيدي ص ١٣٥, والفهرست ص ١٠٢, ونزهة الألباء ص ٥٢, وإنباه الرواة ٣/ ٢٨٨ وما به من مراجع.
(٤) في الزبيدي جواب المسألة المذكورة: يا آز أزّ بفتح الزاي في الفعل، وإن شئت ضممت الزاي أو كسرتها وقلت: أو زُزْ، فالفتح لأنه أخف الحركات, والكسر لأنه أحق بالتقاء الساكنين، والضم للإتباع. وكذلك في الموءودة تقول: يا وائد إدْ، بكسر الهمزة وسكون الدال مثل: يا واعد عد بكسر العين في الفعل وسكون الدال.