فقد قال إن الشيب «أسود» من الظلم ، والبصريون لا يجيزون ذلك بينما يجيزه الكوفيون (١). ولا يتسع المقام لعرض مثل هذه الشذوذات الكوفية عنده ، وشعره يزخر بها ، حتى لكأنما رأى أن يكون ديوانه معرضا واسعا لها.
ويلقانا فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى أبو الحسين أحمد (٢) بن فارس المتوفى سنة ٣٩٥ للهجرة وفيه يقول القفطى : «طريقته فى النحو طريقة الكوفيين» غير أن أكثر عنايته إنما صبّها على المباحث اللغوية ومن أشهر كتبه معجم مقاييس اللغة وهو منشور ، وفيه يرد معانى مفردات المادة اللغوية إلى معنى واحد. وقد جمع كثيرا من المسائل اللغوية فى كتابه الصاحبى الذى صنفه للصاحب بن عباد وزير البويهيين بالرى. ويقول مترجموه إن له مصنفا فى النحو سماه المقدمة ، ومصنفا آخر باسم «اختلاف النحويين» وأكبر الظن أنه ناقش فيه كثيرا من المسائل النحوية التى اختلف فيها البصريون والكوفيون موردا على الأولين كثيرا من الحجج والبراهين التى تؤيد رأى الأخيرين ، ويقول القفطى إنه كان كثير الحجاج والجدال ، مما يؤكد أنه أسهم بقوة فى احتجاجات الكوفيين.
ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إن آخر النحاة الذين استظهروا آراء المدرسة الكوفية فى مصنفاتهم ابن آجروم (٣) الصنهاجى المغربى صاحب المتن المشهور باسم الآجرومية ، وفيه نراه يذهب إلى أن السكون فى فعل الأمر سكون جزم لا سكون بناء ، بالضبط كما كان يذهب الكوفيون. وذهب مذهبهم فى عدّه «كيفما» بين أدوات الشرط الجازمة. وجعل ـ مثلهم ـ حتى وأو والفاء والواو تنصب المضارع مباشرة دون تقدير أن المصدرية كما ذهب إلى ذلك الخليل والبصريون. وتابع الكوفيين أيضا فى بعض المصطلحات مثل النعت وعطف النسق.
وسنرى المدرسة البغدادية منذ أبى على الفارسى تمزج بين النحوين البصرى
__________________
(١) الإنصاف ، المسألة رقم ١٦.
(٢) انظر فى ترجمة ابن فارس نزهة الألباء ص ٣٢٠ ومعجم الأدباء ٤ / ٨٠ والفهرست ص ٨٠ واليتيمة ٣ / ٣٦٥ وإنباه الرواة ١ / ٩٢ ومقدمة مقاييس اللغة (طبع دار المعارف) وبغية الوعاة ص ١٥٣.
(٣) راجع فى ترجمة ابن آجروم بغية الوعاة ص ١٠٢ وجذوة الاقتباس (طبع فاس) ص ١٣٨.