تجمع صحراء على صحارى ، وأصلها عنده «أشايا» فأبدلت الياء واوا (١).
وعلى هذا النحو من التحليل للقلب والإعلال فى هذه الأمثلة كان الخليل يحلل تحليلا واسعا عبارات اللغة ، كما كان يحلل أدواتها وصيغها اللفظية تحليلا جعله يلتفت فيها إلى النحت وأن من الممكن أن تكون الكلمة استخلصت من كلمتين ، من ذلك اسم الفعل «هلمّ» فإنه ذهب إلى أنه مركب من «ها» للتنبيه وفعل «لمّ» أى لمّ بنا ، ثم كثر استعمال الصيغة فحذفت الألف من «ها» تخفيفا لأن اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها فى حكم الساكنة ، وكأنها حذفت لالتقاء الساكنين فصارت «هلم» (٢). ومن ذلك تحليله للفظة «مهما» الشرطية فقد كان يرى أن أصلها «ما» ثم دخلت عليها «ما» التى تدخل على أخواتها الشرطيات مثل أينما ، واستقبح التكرار فى «ماما» فأبدلت الألف الأولى هاء لأنها من مخرجها ، وحسن اللفاظ بها (٣). ومن ذلك «لن» الناصبة للمضارع ، فأصلها عنده : «لا أن» فحذفت الهمزة تخفيفا لكثرة دوران الصيغة فى الكلام على نحو حذفها فى مثل : خذ وكل ومر وسل» ثم حذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها ، أو بعبارة أخرى حذفت لالتقاء الساكنين (٤). ومن ذلك تحليله لكلمة «ليس» فأصلها عنده : لا أيس ، فطرحت الهمزة وألصقت اللام بالياء (٥) ومن ذلك كلمة إذن فأصلها عنده إذ أن (٦).
وكان يمتاز بحسّ لغوى دقيق جعله يفقه أسرار العربية ودقائقها فى العبارات والألفاظ فقها لعل أحدا من معاصريه لم يبلغه ، ويتوقف سيبويه مرار لينقل عنه مثل «إن هذه العبارة أو هذه الظاهرة تكرهها العرب» أو إن «هذه الصيغة جيدة فى لسانهم ، أو إنهم يميلون إلى هذا الأداء رغبة فى التخفيف». ومن أروع الجوانب التى يتضح فيها ذوقه اللغوى المرهف أحاديثه الكثيرة التى نقلها عنه سيبويه فى الإدغام والإعلال ومواضع قلب الواو ياء والياء واوا. ومما يصور مدى حسه اللغوى الحاد ملاحظته حكاية العرب لصوت الجندب بقولهم : «صرّ» وحكايتهم لصوت
__________________
(١) الكتاب ٢ / ٣٧٩ والمنصف ٢ / ٩٤.
(٢) الخصائص ٣ / ٣٥.
(٣) الكتاب ١ / ٤٣٣.
(٤) الكتاب ١ / ٤٠٧ والخصائص ٣ / ١٥١.
(٥) انظر مادة ليس فى لسان العرب.
(٦) همع الهوامع للسيوطى (طبعة الخانجى) ٢ / ٦.