علماء اللغة والنحو فى عصره. وكثيرا ما يتوارد مع سيبويه فيما ينشد من أشعار ، مما يدل على أنه كان يضع كتابه نصب عينه وبصره (١).
وقد مضى مثل النحاة البصريين وأستاذه الكسائى لا يستشهد بالحديث النبوى فى كتابه «معانى القرآن» ، إلا ما جاء عرضا وعفوا (٢) بحيث لا يصح التعميم عنده وأن يقال إنه كان يستشهد به ، فقد كانوا يصطلحون على أن روايته بالمعنى وأنه رواه أعاجم غير ثقات فى العربية. أما القراءات فهى محور الكتاب ، وقد أدار عليها توجيهاته لها من أساليب العرب ، متحدثا عن لغاتهم التى تجرى مع القياس والتى تشذ عنه فى رأيه ، مما جعله يردّ بعضها أحيانا ، كما ردّ بعض القراءات.
وليس معنى ذلك أنه لم يكن يتوسع فى السماع من العرب ، بل لقد كان يتوسع فيه إلى أقصى حدّ أمكنه ، ملتمسا منه القياس ، وخاصة إذا اتفق ذلك مع بعض آى الذكر الحكيم وبعض قراءاته. وقد يمدّ القياس إلى أحكام لم ترد فى القرآن ولا على ألسنة العرب ، ونضرب بعض الأمثلة لما بسط فيه القياس معتمدا على القرآن وقراءاته وأشعار الشعراء. فمن ذلك أنه جوّز إذا اجتمع شرط وقسم وتقدم القسم أن يكون الجواب للشرط ، والبصريون يوجبون أن يكون الجواب للأول ، ويتضح الخلاف فى مثل «لئن قمت أقوم معك» فالبصريون يحتّمون أن تكون أقوم جوابا للقسم لوجود اللام الموطئة المؤذنة به وبذلك تكون مرفوعة ، ويجوّز الفراء أن تكون جوابا للشرط ، فيقال «لئن قمت أقم معك» بجزم المضارع فى الجواب ، واحتجّ لذلك بقول الأعشى :
لئن منيت بنا عن غبّ معركة |
|
لا تلفنا من دماء القوم ننتفل (٣) |
والبصريون يؤولون مثل ذلك بأن اللام زائدة (٤). وقد وقف بإزاء الآية الكريمة :
__________________
(١) انظر على سبيل المثال الجزء الأول من معانى القرآن ص ٣٤ ، ٦٧ ، ٩١ ، ١٢١ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٦٢ ، ١٧٧ ، ١٨٦ ، ١٨٧ وقارن بكتاب سيبويه على الترتيب ١ / ٤٢٤ ٦٢٧ ، ٢ / ٣٠٤ ، ١ / ٣٥٢ ، ٢٤٠ ، ٢٣٩ ، ٣٦ ، ٤٤ ، ١٥٢ ، ٥٣ ، ٢٢ ، ٢٥.
(٢) معانى القرآن ١ / ٢٦٦ ، ٤٦٩.
(٣) منيت : بليت. عن غب : بعد عاقبة.
ننتفل : نتنصل.
(٤) معانى القرآن ١ / ٦٨ والمغنى ص ٢٦١.