نفس المنهج الذى أصّلاه ، فلا بد من تمثل الآراء البصرية والكوفية وآراء البغداديين الأولين الذين كانوا ينزعون نزعة كوفية ، ولا بد من تمثل آراء أبى على وابن جنى ، وهو تمثل جعلهم يعكفون على مصنفات جميع أئمة النحو المتقدمين وخاصة مصنفات أبى على وابن جنى ، مما جعلهم يسيرون فى نفس الطريق الذى نهجاه وذلّلاه ، ولن نستطيع استقصاءهم ، ولذلك سنكتفى بالحديث عن أعلامهم حديثا موجزا يتفق وغايتنا من صنع هذا الكتاب ، وفى رأينا أن أنبههم وأوسعهم شهرة الزمخشرى وابن الشجرى وأبو البركات الأنبارى وأبو البقاء العكبرى وابن يعيش والرضى الإستر آبادى ، وسنخص الزمخشرى بكلمة أكثر تفصيلا.
وابن الشجرى (١) كان نقيب الطالبيين بالكرخ فى بغداد ، ولد سنة ٤٥٠ وتوفى سنة ٥٤٢ للهجرة ، وهو أحد أئمة النحاة ، ويقال إنه لم يكن أنحى منه فى عصره ، وإنه ظل يدرس النحو لطلابه نحو سبعين عاما ، وفى أخباره ما يدل على أنه موصول النسب العلمىّ فيه بأبى على الفارسى ، فقد أخذه عن ابن طباطبا ، وأخذه ابن طباطبا عن على بن عيسى الربعى تلميذ أبى على. ويذكر ابن خلكان من تصانيفه شرح كتابى ابن جنى : اللمع والتصريف. وطبع له بحيدر آباد أماليه فى النحو واللغة والأدب ، وهو فيها يكثر من ذكر كتب أبى على مثل الإيضاح والتذكرة والحجة فى علل القراءات السبع ناقلا عنها آراءه. ونراه منذ فاتحة أماليه معجبا بالبصريين على شاكلة الفارسى وابن جنى وهو إعجاب جعله يقول فى حجج الكوفيين : «ولنحاة الكوفيين فى أكثر كلامهم تهاويل فارغة من الحقيقة» (٢). ومن آرائه التى خالف فيها جمهور النحاة ذهابه إلى أن لو الشرطية تجزم المضارع حين تدخل عليه لقول بعض الشعراء :
لو يشأ طار به ذو ميعة |
|
لاحق الآطال نهد ذو خصل (٣) |
وردّ بأن ذلك ضرورة شعرية أو لعل الشاعر خفّف نهاية الفعل يشأ ، ونطقه
__________________
(١) انظر فى ترجمة ابن الشجرى نزهة الألبا ص ٤٠٤ ومعجم الأدباء ١٩ / ٢٨٢ وإنباه الرواة ٣ / ٣٥٦ وابن خلكان ٢ / ١٨٣ وبغية الوعاة ص ٤٠٧.
(٢) أمالى ابن الشجرى ٢ / ١٢٩ ، ١٤٧.
(٣) ذوميعة : نشيط ، لاحق الآطال : ضامر الجنبين ، نهد : جسيم ، ذو خصل : طويل الشعر.