فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنى وقيّار بها لغريب |
فغريب خبر إن بدليل دخول لام التوكيد عليه وخبر «قيار» محذوف ، تقديره كذلك. وكأنما أحسّ الفراء تلميذ الكسائى أن البصريين مصيبون فى موقفهم لعدم جريان ذلك على ألسنة العرب ، فرأى أن يتوقف عند نص الآية وأن يخصّص القاعدة بما يماثلها ، فقال إنه لا يجوز ذلك إلا فيما لم يظهر فيه عمل إن ، وهو الاسم المبنى مثل الذين فى الآية وضمير المتكلم فى بيت ضابئ (١).
ومن ذلك الآية الكريمة : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) فى قراءة سعيد بن جبير بنصب كلمة (عبادا) مما جعل الكسائى يضع قاعدة عامة ، وهى أن إن النافية إذا دخلت على الجملة الاسمية عملت عمل ليس ، فرفعت الاسم ونصبت الخبر. وهى ـ فى رأى سيبويه ـ لا تعمل بل تهمل دائما ، وكأن قراءة سعيد بن جبير فى رأيه شاذة فذة لا يصح أن تتّخذ منها قاعدة. ولعل من الطريف أن نعرف أن الفراء كان يتابع سيبويه فى رأيه ، بينما كان يتابع المبرد البصرى الكسائى فيما ارتآه من عملها (٢). وفى ذلك ما يشهد بأن مدار الاختلاف بين المدرستين الكوفية والبصرية وأئمتهما لم يكن يراد به إلى المناقضة ، وإنما كان يراد به إلى تبين وجه الصواب فى إخلاص ، ولذلك كثر بينهم الالتقاء فى الآراء وأن يتابع الكوفى البصريين والبصرى الكوفيين ، وكأنهم جميعا أغصان من دوحة واحدة.
ومن ذلك الآية الكريمة : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) فقد لاحظ أن اسم الفاعل (باسط) مع أنه بمعنى الماضى فى الآية ، لأنه يحكى قصة أهل الكهف ، عمل النصب فى كلمة ذراعيه ، فوضع قاعدة عامة ، هى أنه يعمل النصب بمعنى الماضى وبمعنى الحال والاستقبال ، بينما كان يمنع البصريون عمله النصب فيما بعده على المفعولية وهو بمعنى الماضى ، وتأولوا (باسط) فى الآية على حكاية الحال الماضية ،
__________________
(١) الإنصاف : المسألة رقم ٢٣ والمغنى ص ٥٢٧ والهمع ٢ / ١٤٤ وأسرار العربية ص ١٥٢.
(٢) ابن يعيش ٨ / ١١٣ والرضى ١ / ٢٤٩ والمغنى ص ١٩ والهمع ١ / ١٢٤