العرب قد نطقت فيه بشىء آخر على قياس غيره فدع ما كنت عليه إلى ما هم هم عليه» (١). ويطبق قاعدة الاستحسان فى الفقه الحنفى على بعض الأبنية. ونحسّ أثر المباحث الفقهية حين يتحدث عن حمل الفرع على الأصل والعكس (٢) والحمل على الظاهر (٣) ، وغلبة الفروع على الأصول (٤) واختلاف اللغات وكلها حجة على نحو ما يختلف الفقهاء (٥) ، ويعود مرارا إلى مراجعة الأصول والفروع (٦) ويتحدث عن تركيب المذاهب وعن وجوب الجائز. ويستعير من المتكلمين حديثهم عن السبب والمسبب (٧) والمستحيل (٨). ولعل فى ذلك كله ما يدل فى وضوح على أنه تأثر فى وضع أصول التصريف والنحو بأصول الفقهاء والمتكلمين جميعا.
ويردّد ابن جنى فى الخصائص وغيره حديثه عن البصريين باسم أصحابنا كما مر بنا فى غير هذا الموضع ، وكثيرا ما يضعهم مقابل البغداديين (٩) ، وكأنما ينزع نفسه منهم نزعا ، وقد أسلفنا أنه يريد بالبغداديين أوائلهم ممن كانوا ينزعون إلى الكوفة مثل ابن كيسان ، وهم حقّا من ذوق غير ذوقه ومن هوى غير هواه ، فهو بغدادى من طراز آخر ، طراز أستاذه أبى على الفارسى والزجاجى ، طراز كان ينزع إلى البصريين ، وهو الطراز الذى عمّ وساد منذ النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى ، وكان هو وأستاذه من أهم الأسباب فى شيوعه ، إذ كانا ينتخبان من المذهبين البصرى والكوفى مع نزعة شديدة إلى البصريين ، ومع الفسحة وفتح الأبواب على مصاريعها للاجتهاد ومخالفة البصريين والكوفيين بقدر ما يؤديهما النظر وتسعفهما الحجة.
ونستطيع أن نرجع إلى الآراء المنثورة لابن جنى فى كتاباته المنشورة وفى المراجع النحوية ، فسنراه يطبق هذا المنهج تطبيقا دقيقا ، إذ كان يوافق البصريين فى
__________________
(١) الخصائص ١ / ١٢٥.
(٢) الخصائص ١ / ١١١ وانظر ١ / ٢٠٨ حيث يصرح بأنه يستضىء بأبى حنيفة فى حديثه عن الدور والوقوف منه على أول رتبة.
(٣) الخصائص ١ / ٢٥١.
(٤) الخصائص ١ / ٣٠٠.
(٥) الخصائص ٢ / ١٠.
(٦) الخصائص ٢ / ٣٤٢ وما بعدها.
(٧) الخصائص ٣ / ١٧٣.
(٨) الخصائص ٣ / ٣٢٨.
(٩) الخصائص ١ / ١٣٧.