(وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) كدعامة ثالثة لعرش الرسالة ، وترى أن صاحب الرسالة لم يكن على صراط مستقيم منذ الدعوة إلى ثامنة الهجرة التي فيها فتحت مكة ، ومن ثم اهتدي إلى صراط مستقيم؟! ، وهو أول معتصم بالله (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣ : ١٠١) وهو أفضل مهدي إلى صراط مستقيم طول الرسالة : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ..) (٦ : ١٦١) بل وهو على صراط مستقيم محيطا عليه لزاما به : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٦ : ٤) كيف لا (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤٢ : ٥٢)!.
في الحق إن الصراط المستقيم له درجات وجنبات ، فأولى الدرجات هداية الدلالة له وقد هدي صاحب هذه الرسالة منذ البدء ، وقبل الرسالة كان مهديا إليه خاصا لنفسه حتى تهيأ للعالمين ، ثم الهداية الثانية هي الاستمرار عليه مستزيدا فيه بعصمة إلهية ، بعد محاولات بشرية ورسولية ، وهو دوما دون انقطاع بحاجة ماسة إلى هذه العصمة ، : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (١٧ : ٧٤) وهذه الدرجة هي التي يطلبها هو والمؤمنون ـ على درجته ودرجاتهم ـ في صلواتهم ليل نهار : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ثبتنا وأدم لنا توفيقك ، فلو شاء الله لذهب بالذي أوحى إليه فإنه ليس لزاما للرب إلا بما كتب على نفسه الرحمة : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) (١٧ : ٨٧).
هذا ـ ولكنما الدرجة هذه لا تختص بما بعد الفتح ، فإنه مهدي بها على طول الخط ، فإنما الاختلاف قبل الفتح في الجنبات لا الدرجات : صراطا مستقيما للداعية في الدعوة ، حيث أزيلت الشبكات والأشواك والعقبات عن طريقها بفتح مكة ، وصراطا مستقيما لتقبل الدعوة الإسلامية ، حيث الفتح فتح سبيلا واسعا لمن