وضمير الغائب في «مثله» هو الغائب في (كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وفي (كَفَرْتُمْ بِهِ) فهو القرآن ، وهو نبي القرآن المذكوران مسبقا : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ... قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) فلا القرآن بدع من كتب السماء ، وان كان بديعا بينها ، ولا رسول القرآن بدع من الرسل ، مهما كان بديعا بينهم ، ف (شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) يشهد «على مثله» في مثلث الزمان بمثلث الشهادة :
(شَهِدَ .. عَلى مِثْلِهِ) كما الله شاهد على القرآن بالقرآن ، تشهد هؤلاء الشهود للقرآن على مثله وهو العهدان ، فهما كما نزلا والقرآن يتشابهان في صيغة الوحي وصبغته وكيانه فالمماثلة هنا بين الشهادتين.
او «على مثله» : مثل القرآن او نبي القرآن ، فالقرآن يماثل سائر كتب الوحي ، كما ان نبي القرآن يماثل سائر رجال الوحي : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ..) من مثل عبدنا : سائر النبيين ـ او مثل ما نزلنا كسائر ما انزل على النبيين.
فالشاهد الاسرائيلي المؤمن ، نبيا او سواه ، يشهد على مثل شهادة القرآن ، وعلى مثل القرآن ونبي القرآن لاثبات وحي القرآن ونبيه ، ف (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (٢ : ١٤٦) : معرفة الرسول ، كما يعرفون القرآن عرفانهم بالتوراة والإنجيل ، وكما في كتاب اشعياء : «كي بلعجي شافاه وبلاشون أحسرت يدبر إل ها عام هذه» (اشعياء ٢٨ : ١٠) :
لأنه بلهجة لكناء بشفاه عجمية وبلسان غير لسانهم يكلم هذا الشعب» (١) فهذه شهادة على مثل القرآن وهو من العهد العتيق.
ومن «مثله» المشهود عليه له ، موسى بن عمران الذي ينص التوراة بمماثلته
__________________
(١) في هذه البشارة نجد مواصفات القرآن ومنها انه بلسان آخر غير عبراني .. راجع كتابنا (رسول الإسلام في الكتب السماوية) ص ١٠٨.