سواه سواه ، منبثقا من تقوى الله النابعة من الشعور أنه الله وليس سواه ، ورسوله الرسول ليس سواه ، وشعورا أنه سميع عليم ، يسمع كل تقديم في مقال ، أو تقديم في فعل أو فكرة أو حال ، فلا يرى المؤمن تقديما هنا أو هناك ولو رؤيا مجنحة في خيال.
ولقد تأدب جماعة من المؤمنين الأولين بهذا الأدب لحد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه والمكان الذي هم فيه ، فيتحرجون أن يجيبوا ـ على علمهم ـ إلا بقولهم : الله ورسوله أعلم (١).
ومن التقديم بين يدي رسوله رفع الصوت فوق صوته والجهر له بالقول ونداءه من وراء الحجرات :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ).
فليكن صوت النبي فوق الأصوات كما أن صيته فوق الصيات ، صوت في حال أو متعال ، وصيت في حال على أية حال ، ومن سوء الأدب أن يرفع صوت فوق صوته ، بل والجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، وان كان أدنى من صوته ، فلتبرز مكانته الرسالية بين الجموع على المكانات ، وليكرم فوق كل الشخصيات ف (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)!
إنه قد يرفع صوت فوق صوته صلّى الله عليه وآله وسلّم فهو محظور ، وقد يجهر له بالقول كما يجهر لسواه على سواء ، فهو أيضا محظور ، وان كان دون صوته ، فالمرغوب إذا
__________________
(١) كما جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي ان النبي (ص) سأل في حجة الوداع اي شهر هذا! قلنا الله ورسوله اعلم ـ فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه ، فقال : أليس ذا الحجة؟ قلنا : بلى! قال : اي بلد هذا؟ قلنا : الله ورسوله اعلم ، فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه فقال : أليس البلدة الحرام؟ قلنا بلى ـ قال فأي يوم هذا؟ قلنا : الله ورسوله اعلم ـ فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه ـ فقال : أليس يوم النحر؟ قلنا : بلى! ..