الشيطان ـ وطبعا لا في قلوبهم ـ وإنما في قلوب غيرهم : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٣ : ٥٤).
وإذا كانت هذه حالة تمنيات المرسلين ـ الحقة ـ فكيف بمن دونهم ، ثم كيف للكافرين؟! .. ف «إذا تمنى أحدكم فلينظر ما تمنى فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته»(١) فإن هوى النفس ومناها لا تحوّلان الواقع ، ولا تخلقان غير الواقع ، فلتحصر أمنيات الإنسان في الحقائق وبتوفيق الله ، فإن الأمر كله لله :
(فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) : مهما كنا مخيرين في الأولى بعض الشيء ، فإن هذا الاختيار لا يملّكنا كلّ ما نتمنى ، وفي تقديم الآخرة على الأولى هنا رعاية لموسيقى اللفظ على هامش المعنى ، حيث السيطرة الإلهية ظاهرة واقعة في الآخرة تماما ، مهما خفيت في الأولى أو خفّت بارادة الله ، ولواقع الاختيار فيها دونها.
وهذا شيء ملموس من الأسلوب القرآني : انه يجمع بين تنعيم اللفظ وتنعيم المعنى ، دون إخلال بأحدهما على حساب الآخر ، إذ لا تضيق الألفاظ والمعاني على الله ، فليس تجريد التجميلات اللفظية عن جمال المعاني ـ أحيانا ـ إلّا من هرطقات القاصرين ، كأن القرآن في أنظارهم كتاب شعر أو موسيقى قبل أن يكون كتاب حقيقة أو معنى!.
ونسفا لأهم تمنيات المشركين في الآخرة ـ عن معبوديهم : بنات الله الملائكة : أنهم شفعائهم عند الله ، تمنّ عاطل فوق تمنيات باطلة ـ تأتي التصريحة :
(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) .. فكيف بتماثيل ملائكة في الأرض؟!
__________________
(١). الدر المنثور ٦ : ١٢٧ ـ اخرج احمد والبخاري والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) :