وهذا الوجه أغرب من الأول (١).
قال أبو حيّان : يعني بقوله : صلة ل «اقترب» أي : متعلقة به ، وأما جعله اللام توكيدا لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحدا يقول ذلك ، وأيضا فيحتاج إلى ما يتعلق به ، ولا يمكن تعلقها ب «حسابهم» لأنّه مصدر موصول ، ولأنه قدم معموله عليه (٢) ، وأيضا فإنّ التوكيد يكون متأخرا عن المؤكد ، وأيضا فلو أخر في (٣) هذا التركيب لم يصح (٤).
وأما تشبيهه بما أورده سيبويه فالفرق واضح ، فإن (عليك) معمول ل (حريص) و(عليك) المتأخرة (٥) تأكيد ، وكذلك (فيك زيد (٦) راغب فيك) يتعلق (٧) (فيك) ب (راغب) و(فيك) الثانية توكيد (٨) ، وإنّما غره في ذلك صحة (٩) تركيب اقترب حساب (١٠) الناس ، وكذلك أزف رحيل الحيّ ، فاعتقد إذا تقدم الظاهر مجرورا باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب : فيك زيد راغب فيك ، فليس مثله.
وأما (لا أبا لك) ، فهي مسألة مشكلة ، وفيها خلاف (١١) ، ويكن أن يقال فيها ذلك (١٢) ، لأنّ اللام فيها جاورت الإضافة ، ولا يقاس عليها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة (١٣). قال شهاب الدين : مسألة الزمخشري أشبه شيء بمسألة (لا أبا لك) ،
__________________
ـ الذي ثني في النداء وذلك قولك : يا تيم تيم عدي.
انظر الكتاب ٢ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.
(١) الكشاف ٣ / ٢.
(٢) في البحر المحيط : ولا يتقدم معموله عليه.
(٣) في : سقط من ب.
(٤) لأنّ الضمير في «حسابهم» يكون عائدا على متأخر لفظا ورتبة وهذا لا يجوز.
(٥) في ب : لتأخر. وهو تحريف.
(٦) في ب : زيدا.
(٧) في ب : متعلق.
(٨) وهنا لا يجوز مثل ذلك. فلا يجوز أن يكون (للنّاس) متعلقا ب (حساب) و(هم) توكيد (للناس).
(٩) في ب : خمسة. وهو تحريف.
(١٠) اقترب : تكملة ليست بالمخطوط.
(١١) فسيبويه يرى أن اسم (لا) مضاف لما بعد اللام ، واللام مقحمة بين المتضايفين. وغيره يرى أن اللام وما بعدها صفة ، والاسم شبيه بالمضاف ، لأنّ الصفة من تمام الموصوف. أو أنّ اللام وما بعدها خبر ، و(أبا) تعرب بحركات مقدرة كالمقصور على لغة من يعربها كذلك. وحينئذ تكون اللام للاختصاص ، وهي متعلقة باستقرار محذوف. انظر الكتاب ٢ / ٢٧٦ ـ ٢٢٨ ، المغني ١ / ٢١٦ ـ ٢١٧.
(١٢) وهو كون اللام توكيدا للإضافة.
(١٣) البحر المحيط ٦ / ٢٩٦. يريد أن إقحام اللام في (لا أبا لك) ورد شاذا على غير قياس ، فاختصت (لا) في الأب بهذا ، كما اختص نصب (غدوة) ب (لدن) على التشبيه باسم الفاعل ، انظر الكتاب ٢ / ٢٨١ ، شرح المفصل ٢ / ١٠٧.