أيوب بن أنوص بن زارح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم ، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران ، وكان الله قد اصطفاه ونبأه وبسط عليه الدنيا ، وكانت له البثنيّة (١) من أرض الشام كلها سهلها وجبلها ، وكان له فيها من أصناف المال كله من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمر والبساتين ما لا يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة والأهل والولد من الرجال والنساء ، وكان رحيما بالمساكين يكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل. وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به ، وعرفوا فضله ؛ قال : كان أحدهم من أهل اليمن يقال له: اليقن ، ورجلان (٢) من أهل بلده يقال لأحدهما : يلدد ، والآخر ضافر ، وكانوا كهؤلاء.
وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السموات وكان يقف فيهن حيث ما أراد حتى رفع الله عيسى ، فحجب من أربع ، فما بعث محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حجب من الثلاث الباقية ، فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب ، وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه فأدركه (٣) البغي والحسد ، فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه ، فقال : إلهي نظرت في عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ولو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ولخرج عن طاعتك. فقال الله ـ تعالى ـ : انطلق فقد سلطتك على ماله فانقض عدو الله إبليس حتى وقع إلى الأرض ، ثم جمع عفاريت الجن ومردة الشياطين ، وقال لهم : ماذا عندكم من القوة فإني سلطت على مال أيوب؟ فقال عفريت من الشياطين : أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار فأحرق كل شيء ، فقال له إبليس : فأت الإبل ورعاتها فذهب فأتى الإبل حين وضعت رؤوسها وانبثت في مراعيها ، فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار لا يدنو منه أحد إلا احترق ، فأحرق الإبل ورعاتها حتى أتى على آخرها. ثم جاء إبليس في زي بعض الرعاة إلى أيوب ، فوجده قائما يصلي ، فقال : يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك فأحرقتها ومن فيها غيري فقال أيوب : الحمد لله الذي هو أعطاها وهو أخذها ، وقديما وطّنت نفسي ومالي على الفناء ، فبقي الناس مبهوتين متعجبين ، فمن قائل يقول : ما كان أيوب يعبد شيئا ، وما كان إلا في غرور. ومنهم من يقول : لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه. ومنهم من يقول : هو الذي فعل ما فعل ليشمت به عدوه ، ويفجع به صديقه فقال أيوب : الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني ، عريانا خرجت من بطن أمي ، وعريانا (٤) أعود في التراب ، وعريانا أحشر إلى الله (٥) ، ولو علم الله فيك خيرا أيها العبد لنقل روحك مع تلك الأرواح ، وصرت شهيدا ولكنه علم
__________________
(١) البثنيّة : الزبدة ، وقيل : ضرب من الحنطة ، وقيل حنطة منسوبة إلى بلدة معروفة بالشام من أرض دمشق.
اللسان (بثن).
(٢) في ب : ورجلاء. وهو تحريف.
(٣) في ب : وأدركه.
(٤) عريانا : مكرر في ب.
(٥) في ب : وعريانا يحشرني الله.