قرنه إلى قدمه ثآليل (١) مثل أليات الغنم ، ووقعت فيه حكّة لا يملكها ، فكان يحك بأظفاره حتى سقطت كلها ، ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها ، ثم حكها بالفخار والحجارة الخشنة حتى تقطع لحمه وتغير وأنتن ، فأخرجوه أهل القرية وجعلوه على كناسة ، وجعلوا له عريشا ، ورفضه الناس كلهم إلا امرأته رحمة بنت افرايم بن يوسف ، فكانت تصلح أموره ويختلف إليه مما يصلحه. ثم إنّ وهبا طول الحكاية إلى أن قال : إنّ أيوب ـ عليهالسلام (٢) ـ أقبل على الله ـ تعالى (٣) ـ متضرعا إليه فقال : رب لأي شيء خلقتني يا ليتني عرفت الذنب الذي أذنبت والعمل الذي عملت فصرفت وجهك عني ألم أكن للغريب دارا ، وللمسكين قرارا ، ولليتيم وليا ، وللمرأة قيما ، إلهي أنا عبد ذليل إن أحسنت فالمنّ لك وإن أسأت فبيدك عقوبتي جعلتني للبلاء غرضا ، وللفتنة نصبا ، وسلطت عليّ (٤) ما لو سلطته على جبل لضعف عن حمله ، إلهي تقطعت أصابعي ، وتساقطت لهواتي ، وتناثر شعري ، وذهب المال فصرت أسأل اللقمة فيطعمني من يمن (٥) بها علي ، ويعيرني بفقري وهلاك أولادي. قال الإمام أبو القاسم الأنصاري ـ رحمهالله ـ : وفي جملة هذا الكلام ليتك إذ كرهتني لم تخلقني ، ثم قال : ولو كان ذلك صحيحا لاغتنم إبليس بأن يحمله على الشكوى ، وأن يخرجه عن (٦) حلية الصابرين ، والله لم يخبر عنه إلا قوله (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وقال : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(٧). واختلف العلماء في السبب الذي قال لأجله (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) فروى ابن شهاب عن أنس عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «إن أيوب ـ عليهالسلام (٨) ـ بقي في البلاء ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلّا رجلين كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما للآخر ذات يوم : والله إن أيوب أذنب ذنبا ما أذنبه أحد (٩) من العالمين. فقال صاحبه : وما ذاك. فقال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمهالله ، ولم يكشف ما به. فلما راحا إلى أيوب لم يصبر حتى ذكر ذلك له. فقال أيوب : ما أدري ما يقولان غير أن الله ـ تعالى ـ يعلم (١٠) أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق. وروي أنّ الرجلين لما دخلا عليه قالا : لو كان لأيوب عند الله منزلة ما بلغ إلى هذه الحالة. فما شق على أيوب شيء مما بلي به أشد مما سمع منهما ، وقال : اللهم إن كنت تعلم أني
__________________
(١) الثآليل : جمع الثؤلول : وهو الخراج ، وقد ثؤلل الرجل وقد تثألل جسده بالثآليل وهو الحبة تظهر في الجلد كالحمصة فما دونها. اللسان (ثأل).
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) تعالى : سقط من ب.
(٤) على : سقط من الأصل.
(٥) في ب : عن. وهو تحريف.
(٦) في الأصل : على.
(٧) [ص : ٤٤].
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) في ب : أحدا. وهو تحريف.
(١٠) يعلم : سقط من الأصل.