ظهر على يد عيسى من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه ، والأبرص ، فإذا لم نجد شيئا من ذلك ظهر على يد غيره ، فكيف نثبت الاتحاد ، أو الحلول؟ فقلت له : إنّي عرفت بهذا الكلام أنّك ما عرفت أوّل الكلام ؛ لأنّك سلّمت لي أنّ عدم الدليل لا يدلّ على عدم المدلول ، وإذا كان هذا الحلول غير ممتنع في الجملة ، فأكثر ما في هذا الباب أنّه وجد ما يدلّ على حصوله في حقّ عيسى ، ولم يوجد ذلك الدّليل في حقّ زيد وعمرو ، ولكن عدم الدليل لا يدلّ على عدم المدلول ؛ فلا يلزم من عدم ظهور هذه الخوارق على يد زيد وعمرو ، وعلى السّنّور والكلب عدم ذلك الحلول ، فثبت أنّك مهما جوّزت القول بالاتّحاد ، والحلول ، لزمك تجويز حصول ذلك الاتحاد ، والحلول في حقّ كلّ أحد ، بل في حق كل حيوان ونبات ، ولكنّ المذهب الذي يسوق [قائله](١) إلى مثل هذا [القول](٢) الركيك ، يكون باطلا قطعا ، ثم قلت [له] وكيف دلّ إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه ، والأبرص على ما قلت؟ أليس انقلاب العصا ثعبانا أبعد من انقلاب الميّت حيّا ، فإذا ظهر على يد موسى ، ولم يدلّ على إلهيته ، فبأن لا يدلّ هذا على إلهيّة عيسى أولى.
وثالثها : أن دلالة أحوال عيسى على العبوديّة أقوى من دلالتها على الربوبيّة ؛ لأنّه كان مجتهدا في العبادة ، والعبادة لا تليق إلا بالعبد ، وأنّه كان في نهاية البعد عن الدّنيا ، والاحتراز عن أهلها حتى قالت النصارى : إنّ اليهود قتلوه ، ومن كان في الضعف هكذا ، فكيف يليق به الرّبوبيّة؟.
ورابعها : أن المسيح : إمّا أن يكون قديما ، أو محدثا ، والقول بقدمه باطل ؛ لأنّه نعلم بالضّرورة أنّه ولد ، وكان طفلا ، ثم صار شابّا ، وكان يأكل ويشرب ، ويعرض له ما يعرض لسائر البشر ، وإن كان محدثا ، كان مخلوقا ، ولا معنى للعبوديّة إلّا ذلك.
فإن قيل : المعنيّ بالإلهيّة أنّه حلّت فيه صفة [الإلهيّة ، قلنا :](٣) هب أنّه كان كذلك ، لكنّ الحالّ هو صفة الإله ، والمسيح هو المحل ، والمحلّ محدث مخلوق ، فالمسيح عبد محدث ، فكيف يمكن وصفه بالإلهيّة؟.
وخامسها : أنّ الولد لا بدّ وأن يكون من جنس الوالد ، فإن كان لله تعالى ولد ، فلا بدّ أن يكون من جنسه ، فإذا قد اشتركا في بعض الوجوه ، فإن لم يتميّز أحدهما عن الآخر بأمر مّا ، فكلّ واحد منهما هو الآخر ، وإن حصل الامتياز ، فما به الامتياز غير ما به الاشتراك ؛ فيلزم وقوع التّركيب في ذات الله تعالى ، وكلّ مركّب ممكن ، [فالواجب](٤) ممكن ؛ هذا خلف ، هذا على الاتّحاد ، والحلول.
فإن قيل : قالوا : معنى كونه إلها أنّه سبحانه خصّ نفسه أو بدنه بالقدرة على خلق الأجسام ، والتصرّف في هذا العالم ، فهذا أيضا باطل ؛ لأنّ النصارى نقلوا عنه الضّعف
__________________
(١) في ب : تأويله.
(٢) في ب : التأويل.
(٣) في ب : الإله ، فالجواب.
(٤) في ب : فالجواب.