قال شهاب الدين : كل ما قدره فهو جار (١) على القواعد المنضبطة وقاده إلى ذلك المعنى الصحيح فلا مؤاخذة عليه ، ويظهر ذلك بالتأمل لغير الفطن (٢) وأما «ما» ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها مصدرية.
والثاني : أنها بمعنى الذي. وقد تقدم تقرير هذين (٣).
والثالث : أنها كافة للكاف عن العمل كما في قوله :
٣٧٤١ ـ كما النّاس مجروم عليه وجارم (٤)
فيمن رفع (النّاس) قال الزمخشري : (أَوَّلَ خَلْقٍ) مفعول نعيد الذي يفسره «نعيده» (٥) والكاف مكفوفة ب «ما» والمعنى : نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالابتداء في تناول القدرة لها على السواء ، فإن قلت : ما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه قلت : أوله إيجاده من العدم ، فكما أوجده أولا من عدم يعيده ثانيا من عدم (٦).
وأما (أَوَّلَ خَلْقٍ) فيحصل فيه أربعة أوجه : أحدها : أنه مفعول «بدأنا».
والثاني : أنه ظرف ل «بدأنا».
والثالث : أنه منصوب على الحال من ضمير الموصول (٧) كما تقدم تقريره (٨).
والرابع : أنه حال من مفعول «نعيده» قاله أبو البقاء (٩) ، والمعنى : مثل أول خلقه
__________________
ـ تيم القلب حب كالبدر لا بل |
|
فاق حسنا من تيّم القلب حبا |
وتقع فاعلة كقوله :
أتنهون ولن ينهى ذوي شطط |
|
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل |
ومبتدأة كقوله :
بنا كالجوى مما تخاف وقد ترى |
|
شفاء القلوب الصاديات الحوائم |
واسم كان كقوله :
لو كان في قلبي كقدر قلامة |
|
فضلا لغيرك ما أتتك رسائلي |
ومفعولة كقول النابغة :
لا يبرمون إذا ما الأفق جلّله |
|
برد الشتاء من الإمحال كالأدم |
وذهب الأخفش والفارسي إلى أنها تقع اسما اختيارا كثيرا نظرا إلى كثرة السماع ، وعلى هذا يجوز في زيد كالأسد أن تكون الكاف في موضع رفع والأسد مخفوضا بالإضافة وعلى ذلك كثير من المعربين منهم الزمخشري كما هنا ، قال ابن هشام : ولو كان كما زعموا لسمع في الكلام مثل مررت بكالأسد.
البحر المحيط ٦ / ٣٤٣ ، المغني ١ / ١٨٠ ، الهمع ٢ / ٣١.
(١) في ب : جاز. وهو تصحيف.
(٢) الدر المصون : ٥ / ٦١.
(٣) الأوجه المتقدمة في الكاف تقدمت قريبا.
(٤) عجز بيت من بحر الطويل ، قاله عمرو بن براقة الهمداني ، وصدره : وننصر مولانا ونعلم أنّه.
(٥) في الأصل : نعيد.
(٦) الكشاف ٣ / ٢٢.
(٧) في ب : الموصوف. وهو تحريف.
(٨) الأوجه المتقدمة في الكاف تقدمت قريبا.
(٩) التبيان ٢ / ٩٢٩.