(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (٤٥)
____________________________________
(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) الخ استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من الأمرين فإن صلاته تعالى عليهم مع عدم استحقافهم لها وغناه عن العالمين مما يوجب عليهم المداومة على ما يستوجبه تعالى عليهم من ذكره تعالى وتسييحه وقوله تعالى (وَمَلائِكَتُهُ) عطف على المستكن فى يصلى لمكان الفصل المغنى عن التأكيد* بالمنفصل لكن لا على أن يراد بالصلاة الرحمة أولا والاستغفار ثانيا فإن استعمال اللفظ الواحد فى معنيين متغايرين مما لا مساغ له بل على أن يراد بهما معنى مجازى عام يكون كلا المعنيين فردا حقيقيا له وهو الاعتناء بما فيه خيرهم وصلاح أمرهم فإن كلا من الرحمة والاستغفار فرد حقيقى له أو الترحم والانعطاف المعنوى المأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصورى الذى هو الركوع والسجود ولا ريب فى أن استغفار الملائكة ودعاءهم للمؤمنين ترحم عليهم وأما أن ذلك سبب للرحمة لكونهم مجابى الدعوة كما قيل فاعتباره ينزع إلى الجمع بين المعنيين المتغايرين فتدبر (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) متعلق بيصلى أى يعتنى بأموركم* هو وملائكته ليخرجكم بذلك من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة وقوله تعالى (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) * اعتراض مقرر لمضمون ما قبله أى كان بكافة المؤمنين الذين أنتم من زمرتم رحيما ولذلك يفعل بكم ما يفعل من الاعتناء بإصلاحكم بالذات وبالواسطة ويهديكم إلى الإيمان والطاعة أو كان بكم رحيما على أن المؤمنين مظهر وضع موضع المضمر مدحا لهم وإشعارا بعلة الرحمة وقوله تعالى (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) بيان للأحكام الآجلة لرحمة الله تعالى بهم بعد بيان آثارها العاجلة التى هى الاعتناء بأمرهم وهدايتهم إلى الطاعة أى ما يحيون به على أنه مصدر أضيف إلى مفعوله يوم لقائه عند الموت أو عند البعث من القبور أو عند دخول الجنة تسليم عليهم من الله عزوجل تعظيما لهم أو من الملائكة بشارة لهم بالجنة أو تكرمة لهم كما فى قوله تعالى (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أو إخبار بالسلامة عن كل مكروه وآفة وقوله تعالى (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) بيان لآثار رحمته الفائضة عليهم بعد دخول الجنة عقيب بيان آثار رحمته الواصلة إليهم قبل ذلك ولعل إيثار الجملة الفعلية على الاسمية المناسبة لما قبلها بأن يقال مثلا وأجرهم أجر كريم أو ولهم أجر كريم للمبالغة فى الترغيب والتشويق إلى الموعود ببيان أن الأجر الذى هو المقصد الأقصى من بيان سائر آثار الرحمة موجود بالفعل مهيأ لهم مع ما فيه من مراعاة الفواصل (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على من بعثت إليهم تراقب أحوالهم وتشاهد أعمالهم وتتحمل منهم الشهادة بما صدر عنهم من التصديق والتكذيب وسائر ما هم عليه من الهدى والضلال وتؤديها يوم القيامة أداء مقبولا