(أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) (١٥٣)
____________________________________
وأنه تعالى أرسل إليهم منذرين على وجه الإجمال ثم أورد قصص كل واحد منهم على وجه التفصيل مبينا فى كل قصة منها أنهم من عباده تعالى واصفا لهم تارة بالإخلاص وأخرى بالإيمان ثم أمره صلىاللهعليهوسلم ههنا بتبكيتهم بطريق الاستفتاء عن وجه أمر منكر خارج عن العقول بالكلية وهى القسمة الباطلة اللازمة لما كانوا عليه من الاعتقاد الزائغ حيث كانوا يقولون كبعض أجناس العرب جهينة وبنى سلمة وخزاعة وبنى مليح الملائكة بنات الله والفاء لترتيب الأمر على ما سبق من كون أولئك الرسل الذين هم أعلام الخلق عليهم الصلاة والسلام عباده تعالى فإن ذلك مما يؤكد التبكيت ويظهر بطلان مذهبهم الفاسد ثم تبكيتهم بما يتضمنه كفرهم المذكور من الاستهانة بالملائكة بجعلهم إناثا ثم أبطل أصل كفرهم المنطوى على هذين الكفرين وهو نسبة الولد إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ولم ينظمه فى سلك التبكيت لمشاركتهم النصارى فى ذلك أى فاستخبرهم (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) اللاتى هن أوضع الجنسين (وَلَهُمُ الْبَنُونَ) الذين هم أرفعهما فإن ذلك مما لا يقول به من له أدنى شىء من العقل وقوله تعالى (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً) إضراب وانتقال من التبكيت بالاستفتاء السابق إلى التبكيت بهذا كما أشير إليه أى بل أخلقنا الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق وأبعدهم من صفات الأجسام ورذائل الطبائع إناثا والأنوثة من أخس صفات الحيوان وقوله تعالى (وَهُمْ شاهِدُونَ) استهزاء بهم وتجهيل لهم كقوله تعالى (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) وقوله تعالى (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) فإن أمثال هذه الأمور لا تعلم إلا بالمشاهدة إذ لا سبيل إلى معرفتها بطريق العقل وانتفاء النقل مما لا ريب فيه فلا بد أن يكون القائل بأنوثتهم شاهدا عند خلقهم والجملة إما حال من فاعل خلقنا أى بل أخلقناهم إناثا والحال أنهم حاضرون حينئذ أو عطف على خلقنا أى بل أهم شاهدون وقوله تعالى (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ) استئناف من جهته غير داخل تحت الأمر بالاستفتاء مسوق لإبطال أصل مذهبهم الفاسد ببيان أن مبناه ليس إلا الإفك الصريح والافتراء القبيح من غير أن يكون لهم دليل أو شبهة قطعا (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فى قولهم ذلك كذبا بينا لا ريب فيه وقرىء ولد الله على أنه خبر مبتدأ محذوف أى الملائكة ولده تعالى عن ذلك علوا كبيرا فإن الولد فعل بمعنى مفعول يستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) إثبات لإفكهم وتقرير لكذبهم فيما قالوا ببيان استلزامه لأمر بين الاستحالة هو اصطفاؤه تعالى البنات على البنين والاصطفاء أخذ صفوة الشىء لنفسه وقرىء بكسر الهمزة على حذف حرف الاستفهام