(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) (١٠)
____________________________________
(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ) عطف على قهم وتوسيط النداء بينهما للمبالغة فى الجؤار (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) أى وعدتهم إياها وقرىء جنة عدن (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) أى صلاحا مصححا لدخول الجنة فى الجملة وإن كان دون صلاح أصولهم وهو عطف على الضمير الأول أى وأدخلها معهم هؤلاء ليتم سرورهم ويتضاعف ابتهاجهم أو على الثانى لكن لا بناء على الوعد العام للكل كما قيل إذ لا يبقى حينئذ للعطف وجه بل بناء على الوعد الخاص بهم بقوله تعالى (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) بأن يكونوا أعلى درجة من ذريتهم قال سعيد بن جبير يدخل المؤمن الجنة فيقول أين أبى أين ولدى أين زوجى فيقال إنهم لم يعملوا مثل عملك فيقول إنى كنت أعمل لى ولهم فيقال أدخلوهم الجنة وسبق الوعد بالإدخال والإلحاق لا يستدعى حصول الموعود بلا توسط شفاعة واستغفار وعليه مبنى قول من قال فائدة الاستغفار زيادة الكرامة والثواب والأول هو الأولى لأن الدعاء بالإدخال فيه صريح وفى الثانى ضمنى وقرىء* صلح بالضم وذريتهم بالإفراد (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) أى الغالب الذى لا يمتنع عليه مقدور (الْحَكِيمُ) أى الذى لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة الباهرة من الأمور التى من جملتها إنجاز الوعد فالجملة تعليل لما قبلها (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أى العقوبات لأن جزاء السيئة سيئة مثلها أو جزاء السيئات على حذف المضاف وهو تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بالأتباع أو المعاصى فى الدنيا فمعنى قوله تعالى (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) ومن تقه المعاصى فى الدنيا فقد رحمته فى الآخرة كأنهم طلبوا لهم السبب بعد ما سألوا المسبب (وَذلِكَ) إشارة إلى الرحمة المفهومة من رحمته أو إليها وإلى الوقاية وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا من الإشعار ببعد درجة المشار إليه (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذى لا مطمع وراءه لطامع (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) شروع فى بيان أحوال الكفرة بعد دخول النار بعد ما بين فيما سبق أنهم أصحاب النار (يُنادَوْنَ) أى من مكان بعيد وهم فى النار وقد مقتوا أنفسهم الأمارة بالسوء التى وقعوا فيما وقعوا باتباع هواها أو مقت بعضهم بعضا من الأحباب كقوله تعالى (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أى أبغضوها* أشد البغض وأنكروها أبلغ الإنكار وأظهروا ذلك على رءوس الأشهاد فيقال لهم عند ذلك (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أى لمقت الله أنفسكم الأمارة بالسوء أو مقته إياكم فى الدنيا (إِذْ تُدْعَوْنَ) من* جهة الأنبياء (إِلَى الْإِيمانِ) فتأبون قبوله (فَتَكْفُرُونَ) اتباعا لأنفسكم الأمارة ومسارعة إلى هواها أو اقتداء بأخلائكم المضلين واستحبابا لآرائهم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة أو من مقت بعضكم بعضا