(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٢)
____________________________________
* (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) بالعذاب فى الدنيا والآخرة (قُضِيَ بِالْحَقِّ) بإنجاء المحق وإثابته وإهلاك المبطل وتعذيبه (وَخَسِرَ هُنالِكَ) أى وقت مجىء أمر الله اسم مكان استعير للزمان (الْمُبْطِلُونَ) أى المتمسكون بالباطل على الإطلاق فيدخل فيهم المعاندون المقترحون دخولا أوليا (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ) قيل هى الإبل خاصة أى خلقها لأجلكم ومصلحتكم وقوله تعالى (لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ) تفصيل لما دل عليه اللام إجمالا ومن لابتداء الغاية ومعناها ابتداء الركوب والأكل منها أى تعلقهما بها وقيل للتبعيض أى لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها لا على أن كلا من الركوب والأكل مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر بل على أن كل بعض منها صالح لكل منهما وتغيير النظم الكريم فى الجملة الثانية لمراعاة الفواصل مع الإشعار بأصالة الركوب (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) أخر غير الركوب والأكل كألبانها وأوبارها وجلودها (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) بحمل أثقالكم من بلد إلى بلد (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) لعل المراد به حمل النساء والولدان عليها بالهودج وهو السر فى فصله عن الركوب والجمع بينها وبين الفلك فى الحمل لما بينهما من المناسبة التامة حتى سميت سفائن البر وقيل هى الأزواج الثمانية فمعنى الركوب والأكل منها تعلقهما بالكل لكن لا على أن كلا منهما يجوز تعلقه بكل منها ولا على أن كلا منهما مختص ببعض بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر بل على أن بعضها يتعلق به الأكل فقط كالغنم وبعضها يتعلق به كلاهما كالإبل والبقر والمنافع تعم الكل وبلوغ الحاجة عليها يعم البقر (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) دلائله الدالة على كمال قدرته ووفور رحمته (فَأَيَّ آياتِ اللهِ) أى فأى آية من تلك الآيات الباهرة (تُنْكِرُونَ) فإن كلا منها من الظهور بحيث لا يكاد يجترىء على إنكارها من له عقل فى الجملة وهو ناصب لأى وإضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وتهويل إنكارها وتذكير أى هو الشائع المستفيض والتأنيث قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث فى الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهى فى أى أغرب لإبهامه (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) أى أقعدوا فلم يسيروا (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم المهلكة وقوله تعالى (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً) الخ استئناف مسوق لبيان مبادى أحوالهم وعواقبها (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) باقية بعدهم من* الأبنية والقصور والمصانع وقيل هى آثار أقدامهم فى الأرض لعظم أجرامهم (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا